الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فيجب أن تعلم أن الكفارة واجبة بإجماع المسلمين على من جامع عامداً عالماً في نهار رمضان ممن يجب عليه الصوم، والصحيح أنها واجبة على الترتيب، فأول ما يجب تحرير رقبة فإن لم تجد فصيام شهرين متتابعين، ولا يعدلُ عن الصيام إلى الإطعام إلا عند العجز عن الصيام لظاهر حديث أبي هريرة المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المجامع في نهار رمضان بتحرير رقبة، فلما أخبر عن عجزه نقله إلى الصيام ثم إلى الإطعام، وهذا قول الجمهور خلافاً لمالك.
فإذا عجز عن الصيام وجب عليه الإطعام، وذلك بأن يُطعم ستين مسكيناً، لكل مسكين مد عند الشافعية، ونصف صاع من غير البر ومد منه عند الحنابلة، وذهب أبو حنيفة إلى أنه لو أطعم مسكيناً واحداً طعام الستين جاز وقوله مرجوح، وتأويل المسكين بالمد من التأويل المردود كما قال صاحب المراقي:
وجعلُ مسكينٍ بمعنى المُد ّ * عليه لائحٌ سماتُ البعدِ
كما أن الحنفية يجوزون إخراج القيمة في الكفارات. وعليه فإذا كان من لزمته الكفارة لا يقدر على الصوم فدفع الكفارة إلى إمام المسجد، وكان هذا الإمام قد فعل ما فعل تقليداً لمذهب الحنفية فإنه لا ينكر عليه ذلك، والكفارة صحيحة مجزئة إن شاء الله تعالى.. أما إذا كان المكفر يقدر على الصوم أو كان لا يقدر فلزمه الإطعام والإمام المذكور فعل ما فعل جاهلاً فإن الكفارة لا تجزئه، وهي دين لا تبرأ الذمة إلا بأدائها لقوله صلى الله عليه وسلم: فدين الله أحق أن يُقضى. متفق عليه.
وعلى هذا فالواجب على هذا الرجل التوبة النصوح من ذنبه، وأن يصوم شهرين متتابعين إن كان قادراً على الصيام، فإن عجز فعليه أن يطعم ستين مسكيناً ولا يجزئه ما دفعه إلى هذا الإمام عن الكفارة؛ لأن ذمته لم تبرأ به، ولا زال الدين في ذمته حقاً للمساكين، وأما ما دفعه إلى هذا الإمام فإنه صدقة لا يذهب عليه ثوابها ولا يفوته أجرها إن شاء الله. وللمزيد من الفائدة انظر الفتوى رقم: 112903.
والله أعلم.