الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلم تذكر لنا أيها السائل ما إذا كانت أمك على قيد الحياة أم إنها قد توفيت، فإن كانت على قيد الحياة فإن الواجب عليك بعد التوبة إلى مولاك أن تسترضيها بكل سبيل، وأن تطلب عفوها وصفحها عنك، وأن تحرص على برها وصلتها، لعل ذلك يكون كفارة لك عما سلف منك من عقوق لها وتفريط في حقوقها.
أما إذا كانت أمك قد فارقت الحياة فإن الواجب عليك هو التوبة إلى الله سبحانه من إثم العقوق، ثم بعد ذلك أكثر من الدعاء والاستغفار لها والصدقة عنها وصلة أرحامها وبر أصدقائها فإن ذلك من برها، فقد روى أبو داود وابن ماجه عن أبي أسيد مالك بن ربيعة الساعدي رضي الله عنه قال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله، هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما.
أما ما فعلته من ترك الصلاة بالمسجد، وترك المذاكرة وغير ذلك بحجة أنك لن توفق بسبب دعاء أمك عليك، فهذا من وسوسة الشيطان وكيده لك حتى ييئسك من رحمة ربك، فتقع في معصية هي أشنع وأعظم من معصية العقوق، ألا وهي اليأس من رحمة الله، فهذه والعياذ بالله من صفات الكافرين، قال سبحانه: إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ {يوسف:87}، وقال سبحانه: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُوْلَئِكَ يَئِسُوا مِن رَّحْمَتِي وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {العنكبوت:23}، خصوصاً وأنا لا نستطيع الجزم بأن كل الذي أصابك إنما هو من جراء دعاء أمك، فلعل بعضه عقوبة على معاص أخرى، فاصرف عنك أخي وساوس الشيطان، وسارع إلى التوبة إلى مولاك، فمن ذا الذي يحجب عنك رحمة ربك التي وسعت كل شيء، واعلم أن الله سبحانه قد وعد بقبول توبة التائبين، فقال سبحانه: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ {الشورى:25}.
وللفائدة تراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 6807، 34602، 38777، 70101.
والله أعلم.