الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فليس بالضرورة أن يكون تأخر حصول مطلوب الداعي هو عدم استجابة دعائه أو كونه عاصياً أو متبعاً لهواه ونحو ذلك، بل قد يستجيب الله الدعاء ويقبله ويعظم الأجر لصاحبه، ولكن لا يحقق له مطلوبه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من رجل يدعو بدعاء إلا استجيب له؛ فإما أن يعجل له في الدنيا، وإما أن يدخر له في الآخرة، وإما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا - ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، أو يستعجل يقول: دعوت ربي فما استجاب لي.
وذلك لأن الله هو العالم بالأمور على الحقيقة، أما الإنسان فلا يعلم، وقد يدعو بأمر هو في ظاهره خير له، ولا يدري أن وراءه عطبه وهلكته، فيصرفه عنه ربه برحمته وحكمته، قال الله سبحانه: وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً {الإسراء:11}، والمعنى: أن الإنسان يدعو بما يحسبه خيراً وهو في الحقيقة شر، وهذا راجع لفرط تعجله وقلقه.
جاء في تفسير الرازي: أقول: يحتمل أن يكون المراد: أن الإنسان قد يبالغ في الدعاء طلباً لشيء يعتقد أن خيره فيه، مع أن ذلك الشيء يكون منبع شره وضرره، وهو يبالغ في طلبه لجهله بحال ذلك الشيء، وإنما يقدم على مثل هذا العمل لكونه عجولاً مغتراً بظواهر الأمور غير متفحص عن حقائقها وأسرارها. انتهى.
ولذا فإنا نوصيك بأن تسلمي أمرك لمولاك، وترضي بما قسمه لك، ولا مانع مع ذلك من الاستمرار في الدعاء، ولكن الزمي الرضا في كل حال، سواء حصل ما تريدين أم لم يحصل، فقد يكون الخير هو صرفه عنك، وكم من امرأة عقدت آمالها وسعادتها وراحتها على الزواج برجل معين، فلما تم لها ما أرادت دخل عليها التنغيص من كل باب، وقعد لها الهم والغم بكل سبيل.. ولذا فلا أطيب للعبد ولا أهنأ له من أن يرضى بقضاء ربه له، والله يعلم وأنتم لا تعلمون.
والله أعلم.