الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله لك الثبات على طريق الهداية والصواب. واعلمي أن حفاظ المرء على دينه غاية ما بعدها غاية، فإذا ما عارضها شيء من أمور الدنيا الزائلة فينبغي أن يضرب به عرض الحائط، بل لا يلتفت إليه أصلا، وإتمام الدراسة لا شك مصلحة، فإن أمكنك أن تتمي الدراسة بطريق لا تتعرضين فيه لهذه الفتن، وذلك كأن تذاكري من البيت مثلا – إذا كان ذلك متاحا – و تستقلي في تنقلك - عند الحاجة - وسيلة مواصلات خاصة تدفع عنك شرور الاختلاط بالرجال ومزاحمتهم، فإن الأولى هو أن تتمي الدراسة، وخصوصا وأنه قد بقي لك منها شيء يسير، بالإضافة إلى ما في ذلك من إسعاد والديك وإدخال السرور عليهما، وأيضا فإنك تعولين في موقفك من عدم إتمامها على تفهم خطيبك لموقفك وموافقته على ذلك، ولكن قد يحدث – لا قدر الله – ما لا يتوقع، فلا يتم عقد الزواج بهذا الرجل، وتصبحين في موقف حرج أمام أهلك. نسأل الله أن يعافيك من هذا كله.
أما إذا تعسر ذلك وكان إتمام الدراسة سيوقعك في الفتن التي لا تقدرين على اتقائها، وسيترتب على ذلك فساد دينك، فلا شك أنه يتعين عليك ترك هذه الدراسة، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.
ويمكنك والحالة هذه كما ذكرت استعمال المعاريض في إجابة الناس ووالديك إن هم سألوك عن هذا الأمر، بل ويجوز لك الكذب أيضا إن لم تسعفك المعاريض. قال الإمام النووي: اعلم أن الكذب وإن كان أصله محرما فيجوز في بعض الأحوال بشروط قد أوضحتها في كتاب الأذكار، ومختصر ذلك أن الكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصود محمود يمكن تحصيله بغير الكذب يحرم الكذب فيه، وإن لم يمكن تحصيله إلا بالكذب جاز الكذب، ثم إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحا كان الكذب مباحا، وإن كان واجبا كان الكذب واجبا ....إلى آخر كلامه.
والله أعلم.