الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن السيرة النبوية هي التفسير العملي للقرآن الكريم، ولذلك كان لها مكانة عظيمة في هذا الدين فهما وتطبيقا، فينبغي أن تكون مصدرا أصيلا للتوجيه في حياة المسلم العملية ومعيشته اليومية، ولا يكون ذلك إلا بمدارستها وفقهها واستلهام الدروس والعبر منها وتطبيقها واقعا ملموسا في الخلق والسلوك، كما سبق التنبيه عليه في الفتويين: 17432، 74547، وقد سبق أيضا ذكر بعض مراجع ومواقع السيرة النبوية في الفتاوى: 120794، 191003، 98280.
ولتفصيل ذلك يمكن الاستفادة من كتاب (مصادر تلقي السيرة النبوية) للدكتور محمد أنور بن محمد علي البكري. وكتاب (مصادر السيرة النبوية) لضيف الله بن يحيى الزهراني. وهما موجودان بموقع المكتبة الشاملة.
وننبه هنا على أمرين مهمين، الأول: يتعلق بالتحقيق والثبوت. والثاني: يتعلق بالفهم والاستدلال.
أما الأول، فإن كثيرا من كتب السير والتاريخ يغلب عليها طابع الإخباريين، فلا يحصل فيها تمييز بين ما ثبت وما لم يثبت، وهذا إن كان يسير الخطب في تفصيل الأحداث كوصفٍ لمكان غزوة، وذكر عدد المشاركين في معركة، إلا أن هذا الخطب يَعظُم إن كان الحدث مما يحتج به في حكم شرعي، أو يبنى عليه فائدة عملية، فيتعين حينئذ تطبيق قواعد المحدثين في نقد المرويات لمعرفة صحة الخبر، كما يتعين الرجوع إلى قواعد الاستدلال المعروفة عند أهل العلم من معرفة الناسخ والمنسوخ والعام والخاص ونحو ذلك. وقد اهتم بعض أهل العلم من المعاصرين بتقعيد ذلك الشق الأول، ومنهم الأستاذ الدكتور: أكرم ضياء العمري. في كتابه: مرويات السيرة النبوية بين قواعد المحدثين وروايات الأخباريين. ولمسفر الدميني رسالة بهذا العنوان نفسه.
ويمكن الاستفادة بجهود المعاصرين في تمييز الصحيح من السقيم، ككتاب الشيخ الألباني (صحيح السيرة النبوية) وهو مأخوذ من كتاب (خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم) لمحمد أبي زهرة. وللدكتور أكرم العمري وغيرهما ممن كتب في صحيح السيرة النبوية.
وأما الأمر الثاني، فإن بعض من ألف في السيرة النبوية قد توجه إليها بخلفية فكرية مسبقة، فهو ينقل منها ما يحقق له أهدافا معينة، ومنهم من يعظم جانبا من الحدث ويهون من شأن جانب آخر. فلا بد لدراسة السيرة النبوية من الإقبال عليها إقبال المسترشد، المعترف بالنقص والعجز، المتبرئ من الحول والطول، مع النظر إلى الحدث من كافة جوانبه وما يرتبط به من أحداث ومقدمات ونتائج.
والله أعلم.