الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فننصحك أيتها السائلة بالصبر والرضا بقضاء الله والثقة في رحمته سبحانه واختياره لعبده المؤمن، واعلمي أن كل قضاء يقضيه الله لعبده المؤمن فهو خير وإن رآه العبد في ظاهر الأمر بخلاف ذلك, فالله يعلم وأنتم لا تعلمون.
أما بخصوص ما كان من أهلك ورفضهم لهذا الشاب الذي ذكرت أنه صاحب دين وخلق فهو أمر غير جائز وهذه مخالفة صريحة لأوامر الصادق المصدوق – صلى الله عليه وسلم – حيث قال: إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض. رواه الترمذي وحسنه الألباني.
فلا يجوز لأولياء المرأة أن يرفضوا الخاطب صاحب الدين والخلق حتى ولو كان صغير السن, فهذا ليس مانعا من الزواج, وقد كفلت الشريعة المباركة للمرأة حق اختيار الزوج, فإذا ما وافقت على رجل فلا يجوز لأهلها أن يمتنعوا من تزويجها, فإذا فعلوا كانوا عاضلين آثمين, والعاضل تسقط ولايته بل وعدالته وينتقل أمر الولاية إلى من بعده من الأولياء أو إلى السلطان على خلاف بين العلماء.
ولذا فإنا نقول: إذا تقدم لك صاحب الدين والخلق ورفضه أبوك بلا سبب فإن ولايته تسقط عنك, ويمكنك أن تستعيني عليه ببعض أصدقائه أو بعض أهل العلم والخير لكي ينصحوه ويعلموه بحرمة ما يصنع, فإن أصر على رفضه فيمكن لأحد إخوتك أن يتولى هو تزويجك, فإن رفض إخوتك أو خافوا حصول الفتن إن هم فعلوا ذلك دون إذن أبيهم عند ذلك يمكنك أن ترفعي أمرك للقضاء ليقوم القاضي بإجبار وليك على تزويجك أو يزوجك هو بنفسه, جاء في الفتاوى الهندية: وأجمعوا أن الأقرب إذا عضل تنتقل الولاية للأبعد. انتهى.
وقال ابن قدامة في المغني: إذا عضلها وليها الأقرب انتقلت الولاية إلى الأبعد، نص عليه أحمد، وعنه رواية أخرى تنتقل إلى السلطان، وهو اختيار أبي بكر وذكر ذلك عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، وشريح وبه قال الشافعي لقول النبي صلى الله عليه وسلم: فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له. انتهى.
وقال أيضا في المغني: ومعنى العضل: منع المرأة من التزويج بكفئها إذا طلبت ذلك، ورغب كل واحد منهما في صاحبه.... إلى أن قال: فإن رغبت في كفء بعينه وأراد تزويجها لغيره من أكفائها، وامتنع من تزويجها من الذي أرادته كان عاضلاً لها، فأما إن طلبت التزويج بغير كفئها فله منعها من ذلك، ولا يكون عاضلاً لها بهذا، لأنه لو زوجت من غير كفئها كان له فسخ النكاح، فلأن تمنع منه ابتداء أولى. انتهى.
وقال خليل بن إسحاق المالكي: وعليه الإجابة لكفء، وكفؤها أولى، فيأمره الحاكم ثم زَوَّج. انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا منع الولي تزويج امرأة بخاطب كفء في دينه وخلقه، فإن الولاية تنتقل إلى من بعده من الأقرباء العصبة، الأَوْلى فالأولى، فإن أبوا أن يزوجوا كما هو الغالب، فإن الولاية تنتقل إلى الحاكم الشرعي، ويزوج المرأة الحاكم الشرعي. انتهى.
أما ما كان من أختك وسخريتها منك فهذا حرام فقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنّ. {الحجرات:11}.
ولكنا نوصيك بالعفو عنها والصفح ومراعاة ظروفها النفسية فإن تأخرها في الزواج إلى هذه السن لا شك أن له أثرا سيئا على نفسها, نسأل الله سبحانه أن يرزقكن أزواجا صالحين.
وفي النهاية ننبهك على أن بر الوالدين والإحسان إليهما والصبر عليهما والعفو عن زلاتهما واجب, ومهما كان منهما من ظلم لك أو عدوان على حقك فإن هذا لا يبرر لك الإساءة إليهما بل ولا التأفيف والتضجر, فقط إن استمرا على التعنت في تزويجك, ولم يجد معهما توسيط أهل الخير والعلم, فارفعي أمرك حينئذ للقضاء.
والله أعلم.