الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا ندري أيتها السائلة بأي وجه قطعت بوقوع أبيك في فعل الفاحشة، فإن إثبات حدوث هذه الفاحشة لهو من الصعوبة بمكان، ولكن إن كنت على يقين مما تقولين كأن تكوني قد سمعت اعترافه بذلك، أو رأيته في هذه الحالة رأي العين، فعليك أن تقومي له بواجب النصح والتخويف من عذاب الله وبأسه، ويمكنك أن تشركي معك في ذلك بعض إخوتك أو أرحامك إذا كانوا على علم بهذا الأمر، أما إذا لم يكونوا على علم به فلا يجوز لك فضحه، بل يتحتم عليك ستره وكتمان ما حدث، إلا إذا كان مجاهراً بفعلته معلناً بها، أو كان مداوماً على ذلك حينئذ عليك أن تذكري ذلك لمن يقدر على نصحه أو منعه.
أما حقوقه بعد ذلك فإنه إن تاب وحسنت توبته فترجع له كامل حقوقه من تمام البر والصلة والتوقير والإحسان، فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له، أما إذا كان مصراً على معصيته فيبقى له عليك واجب النصح والمصاحبة بالمعروف والدعاء له ومعاونته وطاعته في المعروف حسب طاقتك واستطاعتك، ولكن لا يجوز بل يحرم عليك إيذاؤه وعقوقه.
وأما ما تذكرين من احتقاره فطالما أن هذا في حدود ما تحسينه في قلبك ولم يترجم إلى أذى خارجي فلا لوم عليك فيه إن شاء الله، بل تؤجرين عليه إن كان ذلك لمعصيته، فإن بغض المؤمنين لأهل المعاصي بحسب معصيتهم أصل في دين الله، ولو كان العصاة آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم، قال تعالى: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ {المجادلة:22}، وهذه الآية الكريمة ليست خاصة بأهل الكفر كما يظن كثير من الناس بل تشمل أيضاً عصاة المؤمنين، قال القرطبي رحمه الله في تفسيره: استدل مالك رحمه الله في هذه الآية على معاداة القدرية وترك مجالستهم، قال أشهب عن مالك: لا تجالس القدرية وعادهم في الله، لقوله تعالى: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. قلت: وفي معنى أهل القدر جميع أهل الظلم والعدوان. انتهى.
وأما ما تذكرين من تجنبه فنحتاج إلى بيان المقصود من هذه الكلمة، فإن كان مقصودك ألا تكوني معه في المعاملة مثل ما كان الأمر قبل المعصية فهذا جائز مشروع، بل قد يجب إن غلب على ظنك أن هذا سيرده عن معصيته بشرط أن لا يكون في ذلك عقوق له، وإن كان مقصودك بالتجنب الهجر فلا، لأن هجر الوالد لا يجوز.
والله أعلم.