الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
وما تتعلل به زوجتك لطلب الطلاق مما ذكرت أمور واهية لا تصلح أن تكون عذرا، وذلك يجعل طلبها للطلاق أمرا محرما، وأما وصية أبيها بصلة الأرحام فأمر طيب، ولكن صلة الرحم تتحقق بصور كثيرة، ولا يشترط لها كثرة الزيارات خصوصا مع كونها مشغولة ببيتها وزوجها، فيكفي مثلا زيارة كل فترة من الوقت بحيث لا تضر بمصالحها، وتطلب من إخوتها أن يأتوا لزيارتها في بيتها، مع المحافظة دائما على الاتصالات الهاتفية ونحو ذلك، ولا يجوز لها أن تبالغ في أمور الصلة على حساب حقوق بيتها وزوجها، فإن أولى الناس بالمرأة زوجها، وهو أولى بها من أرحامها وإخوتها، بل ووالديها، وطاعة زوجها مقدمة على الجميع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله- في الفتاوى: المرأة إذا تزوجت، كان زوجها أملك بها من أبويها، وطاعة زوجها عليها أوجب. انتهى.
فليس للمرأة أن تؤثر على زوجها أحدا من الناس، لا أرحامها ولا صديقاتها، وعليها أن تعلم أن هذه العلاقات كلها سواء علاقتها بإخوتها أو أصدقائها وغيرهم إذا شغلتها عن بيتها وزوجها وأوقعتها في معصيته، فسيقع عليها الإثم من جراء ذلك، فتظن أنها تتقرب إلى الله بصلة الأرحام وبرهم، وهي في الحقيقة غارقة في الآثام والأوزار بتضييعها لحقوق زوجها وبيتها، فعليها أن تتقي الله، وأن تسارع في إرضاء زوجها فهو جنتها أو نارها.
روى أحمد عن الحصين بن محصن أن عمة له أتت النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة ففرغت من حاجتها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أذات زوج أنت؟ قالت: نعم، قال: كيف أنت له؟ قالت: ما آلوه إلا ما عجزت عنه، قال: فانظري أين أنت منه، فإنما هو جنتك ونارك. صححه الألباني في السلسلة الصحيحة.
وما تذكره من إهمالها في شؤون بيتها تقصير منها في الحقوق الواجبة عليها، وظلم لزوجها وأولادها؛ لأن النبي جعل على المرأة الخدمة الباطنة داخل البيت، وجعل الخدمة الظاهرة خارجه على الرجل. قال ابن حبيب في "الواضحة": حكم النبي صلى الله عليه وسلم بين على بن أبى طالب رضي الله عنه ، وبين زوجته فاطمة رضي الله عنها حين اشتكيا إليه الخدمة ، فحكم على فاطمة بالخدمة الباطنة ، خدمة البيت، وحكم على علي بالخدمة الظاهرة ، ثم قال ابن حبيب : والخدمة الباطنة: العجين، والطبخ ، والفرش، وكنس البيت، واستقاء الماء، وعمل البيت كله. انتهى.
وأما بخصوص العمل فلا يجوز لها ممارسة أي عمل بل ولا الخروج من بيتها إلا أن يأذن لها زوجها، فإن فعلت فقد أثمت وتستحق بمخالفتها وصف النشوز وعقوبته.
فنوصيك أيها الزوج أن تنصح لزوجتك، وأن تجعل حظا من وقتك وجهدك لها ولأولادك بغرض تعليمهم أمور دينهم، فإن الجهل بالدين وإهمال واجباته وأوامره سبب كل مصيبة تنزل بالمرء، وقد يكون ما عند زوجتك نوع من الجهل الذي يجعلها تشتغل بالمستحب والمندوب من علاقتها بأصدقائها ونحوهم، وتهمل واجبا هو من أوجب الواجبات عليها وهو طاعة زوجها، ومن المناسب في مثل هذا أن توفر لها البيئة الصالحة فلو كانت طبيعتها طبيعة اجتماعية تحب الأصدقاء والأصحاب – كما هو الظاهر - فيمكنك أن تختار لها زوجات بعض أصحابك من أصحاب الدين والخلق، فيزرنها دائما ويكنّ عونا لها على ما ينفعها في دينها ودنياها.
وفي النهاية نوصيك بالصبر عليها وعلى تقصيرها وأن تراعي ظروف مرضها، ويمكنك بالتشاور مع أهلها وإخوتها أن تصلوا إلى حل وسط يجنبكم به مصيبة الطلاق، فما نظن أن إخوتها يرضون لها بالطلاق وتشريد أولادها.
ثم نوصيك بالتوبة إلى الله سبحانه فما نزل بلاء إلا بذنب، ثم بالإكثار من ذكر الله سبحانه ودعائه والتضرع إليه أن يكشف عنك الضر والبلاء.
والله أعلم.