الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا يجوز للزوج أن يفشي أسرار زوجته لأي أحد حتى لوالديه لأن إفشاء السر خيانة للأمانة، وإذا ترتب عليه ضرر فهو حرام.
قال صاحب الإنصاف: قال في أسباب الهداية: يحرم إفشاء السر. وقال في الرعاية: يحرم إفشاء السر المضر. انتهى.
قال الغزالي في الإحياء: وإفشاء السر خيانة وهو حرام إذا كان فيه إضرار، ولؤم إن لم يكن فيه إضرار. انتهى
وأما إفشاء أسرار الفراش وما يكون بين الرجل وأهله فهذا حرام بلا خلاف، بل جاء في الحديث الصحيح تشبيه من يفعل هذا بالشيطان.
وما فعله زوجك من إتيان الدبر كبيرة من كبائر الذنوب التي توجب لعنة علام الغيوب، لكن طالما أنه تبرأ من فعله ونسب نفسه أثناء الفعل إلى الغفلة والسهو، فاقبلي منه ذلك، وكلي أمره إلى من يعلم السر وأخفى.
وأما ما يحدث من أهله من محاولات الإفساد بينك وبين زوجك فهذا حرام، وهذا عين التخبيب الذي قال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم: ليس منا من خبب امرأة على زوجها. أخرجه أحمد واللفظ له والبزار وابن حبان في صحيحه.
وقد عده بعض العلماء من الكبائر جاء في كتاب: الزواجر عن اقتراف الكبائر: الكبيرة السابعة والثامنة والخمسون بعد المائتين: تخبيب المرأة على زوجها : أي إفسادها عليه ، والزوج على زوجته. انتهى
وما تطلبه أمه منه أن يطلقك منكر، وليس عليه أن يجيبها في ذلك، وعلى الأم أن تتقي الله، فواجبها أن تحافظ على أسرة ابنها لا أن تكون معول هدم لها، وكذا ما كان منها من اتهامك بالباطل.
فقد قال الله سبحانه: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا {الأحزاب: 58}
قال ابن كثير: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا أي: ينسبون إليهم ما هم بُرَآء منه لم يعملوه ولم يفعلوه، { فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا } وهذا هو البهت البين أن يحكى أو ينقل عن المؤمنين والمؤمنات ما لم يفعلوه، على سبيل العيب والتنقص لهم. انتهى
وكل ما قام به أهل زوجك من تعمد إهانتك وضربك من الظلم والعدوان، والعجب أن الظالم يسول له الشيطان أنه يشفي نفسه من خصمه، والحقيقة أنه لا يكسب من وراء ظلمه إلا الخيبة في الدنيا والآخرة. قال الله سبحانه "وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا {طه : 111}
وعدم رد السلام معصية ومخالفة لأمر الله سبحانه، فإن الله قد أوجب رد السلام فرضا، قال سبحانه: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا {النساء:86} وعليه فمن ترك رد السلام بلا عذر فهو آثم تارك لما أوجبه الله سبحانه.
قال النووي رحمه الله في المجموع: وأما جواب السلام فهو فرض بالإجماع. اهـ
ولكن لا ينبغي لك أن تغضبي من عدم قيامهم لك عند السلام، فقد ورد الوعيد الشديد لمن أحب أن يقوم له الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب أن يتمثل له الناس قياما، فليتبوأ مقعده من النار. رواه أبو داود والترمذي وغيرهما وصححه الألباني.
وقد كان الصحابة على ما هم عليه من حبهم لرسول الله وإجلاله وتعظيمه لا يقومون له إذا دخل لما يعلمون من كراهيته لذلك، فعن أنس قال: لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك. رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني.
ومع ظلمهم هذا وعدوانهم فإنا نوصيك بالصبر عليهم، والعفو عنهم. فمن عفا وأصلح فأجره على الله، ولا شك أن ما أنت فيه فتنة شديدة، وما قوبلت الفتن بمثل الصبر عليها واحتساب الأجر عند الله سبحانه.
فقد قال سبحانه: وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا {الفرقان : 20}.
يقول ابن القيم رحمه الله: فليس لمن قد فتن بفتنة دواء مثل الصبر، فإن صبر كانت الفتنة ممحصة له ومخلصة من الذنوب، كما يخلص الكير خبث الذهب والفضة، فالفتنة كير القلوب ومحك الإيمان، وبها يتبين الصادق من الكاذب. انتهى.
وتذكري دائما أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا.
والله أعلم.