الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلم أيها السائل الكريم – شرح الله صدرك ونوّر قلبك – أنك أتعبت نفسك وأضعت وقتك، وأدخلت الضيق والحرج على نفسك وزوجك وأصهارك، وأنت بفعلك هذا تضاد الشريعة المباركة التي جاءت باليسر والسهولة ورفع الحرج والمشقة عن الناس، قال سبحانه: هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ {الحج: 78}. والله عز وجل قد رفع الآصار والأغلال (وهي التكاليف الشاقة العسيرة ) التي كانت على الأمم السابقة ببعث النبي صلى الله عليه وسلم فقال سبحانه : الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ {الأعراف: 157} وأنت - عفا الله عنك - تأبى إلا أن تغل نفسك بالأغلال، وتحمل على عاتقك الآصار التي رفعها الله عن هذه الأمة المباركة، أرأيت أيها السائل كيف أنك تسعى في مخالفة الشريعة المباركة ومعارضة مقاصدها الشريفة من حيث تظن أنك تسعى لمتابعتها والتمسك بأوامرها، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري وغيره: إن الدين يسر، و لا يشاد الدين أحد إلا غلبه.
جاء في فتح الباري: والمعنى لا يتعمق أحد في الأعمال الدينية، ويترك الرفق إلا عجز وانقطع فيغلب، قال ابن المنير: في هذا الحديث علم من أعلام النبوة، فقد رأينا ورأى الناس قبلنا أن كل متنطع في الدين ينقطع. انتهى.
وقد علمت فيما قصه الله علينا من نبأ بني إسرائيل حينما قتلوا نفسا وذهبوا لنبي الله موسى ليحكم بينهم، فأمرهم الله سبحانه أن يذبحوا بقرة، ولو أنهم عمدوا من أول الأمر إلى أية بقرة فذبحوها لكان خيرا لهم وأقوم، ولاهتدوا إلى ما خفي عليهم من أمر القاتل بأيسر الوسائل وأسهلها، ولكنهم أبوا إلا التشديد على أنفسهم وكثرة الأسئلة فشدد الله عليهم الأمر.
وأنت – أيها السائل - لو كنت قد أخذت من أول الأمر بما أفتيناك به لكنت أرحت نفسك وزوجك، ولكنك تأبى إلا التشديد على نفسك، فلم تكلفك الشريعة بأن تستفتي المفتي ثم تأخذ فتواه تدور بها على مجالس أهل العلم تلتمس منهم إجماعا عليها، وإنما كلفتك الشريعة بأن تجتهد في البحث عن مفت أو جهة فتوى تثق في علم أصحابها ودينهم ثم تستفتيهم فما أفتوك به تعمل به، وينتهى الأمر عند هذا الحد. ونحن قد أفتيناك بما أفتيناك به. ونرى أن هذا هو الحق والصواب إن شاء الله فخذ به أو اتركه.
والله أعلم.