الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن الحلف على الكذب هو اليمين الغموس، وإذا كانت السائلة تعلم أن أخاها كان كاذبا، ومع ذلك طلبت منه اليمين على كذبه، فلا يخلو حالها من ثلاثة أحوال:
فإما أنها كانت تعلم أن أخاها سيردعه طلب اليمين عن كذبه، فيصدق أو يسكت على الأقل. وهي في هذه الحالة ليست بمسيئة؛ لأن غرضها كان ردعه أو استخراج الصدق منه.
وإما أنها كانت تعلم أنه سيصر على كذبه ويتهاون بشأن اليمين. وهي في هذه الحال مسيئة، وتُعد متسببة في هذا الذنب الكبير، ومعينة على الإثم والعدوان، وعليها أن تتوب إلى الله توبة نصوحا، ويمكنك مطالعة شروط التوبة المقبولة في الفتويين: 5450، 29785.
وإما أنها كانت تجهل رد فعله، فلا تدري ما إذا كان سيصر أم سيرجع. وهي في هذه الحال ليست بمسيئة، وإن كانت قد خالفت الأولى بتعريض أخيها لتحمل هذا الوزر.
هذا كله إن كان موضوع الكلام من الأهمية بحيث يطلب عليه اليمين، وأما إن كان موضوع الكلام لا طائل تحته ولا فائدة من ورائه، فهي مسيئة على أية حال، لأنه لا ينبغي الاستهانة باسم الله فضلا عن القسم به، وقد ذكر الخادمي في آفات اللسان كثرة الحلف ولو على الصدق، وقال: ... لاستهانته بالله تعالى وانتهاك حرمة القسم واعتياد لسانه على ذلك، ولذا قال الشافعي: ما حلفت لا صادقا ولا كاذبا. قال الله تعالى: وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً،{عرضة} جنة ومحلا {لِأَيْمَانِكُمْ } ومعنى الآية.. لا تجعلوا الله معرضا لأيمانكم فتبذلوه بكثرة الحلف لأن هذا ليس من تعظيم الله، فلا ينبغي للعاقل أن يلعب باسم ربه في محل اللعب ولا في محل ليس محلا للتعظيم. وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ كثير الحلف في الحق والباطل مَهِينٍ حقير الرأي من المهانة وهي الحقارة. بريقة محمودية 5 /130 باختصار.
وقال ابن زيد في زاد المسير عند تفسير قوله تعالى: وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً: معناها لا تكثروا الحلف بالله، وإن كنتم بارّين مصلحين، فان كثرة الحلف بالله ضرب من الجرأة عليه.
ويجب عليك أن تبذلي النصح لأخيك بأسلوب يناسبه أن يدع الكذب كله جادا أو مازحا، فضلا عن اليمين الغموس.
وراجعي للفائدة عن اليمين الغموس وحكمه وكونه أعظم من أن تكفره كفارة اليمين الفتاوى ذات الأرقام التالية: 9714، 8997، 113739، 50626.
والله أعلم.