الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما أشرت إليه من تصدر المفتين بالجهالة والتعالم الكاذب ظاهرة فاشية في بلاد الإسلام بلا شك، تحتاج من الغيورين إلى بذل الجهد في تذكير الناس بوجوب الكف عن الفتيا بغير علم، وأن يردوا الأمر إلى أهله، وهم أهل العلم الراسخون فيه، ونحن كثيرا مانبهنا على خطورة الكلام في الدين بلا بينة، وأن القول على الله بغير علم من أكبر الكبائر قال تعالى: وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ {النحل:116}.
وأما بخصوص المسألة التي سألت عنها، فالذي يظهر لنا أنها كانت مثار نزاع القاطنين بالبلد الذي أنت فيه، والخطب أهون من ذلك، فإن الخلاف في المسألة قديم مشهور بين أهل العلم، فلا ينبغي التشديد ولا الإنكار المذموم في هذه المسالة، وقد ذهب الإمام أحمد رحمه الله وطائفة من السلف منهم ابن المبارك وأيوب السختياني إلى أن تارك الصلاة كافر خارج من الملة، وأنه مخلد في النار، وأنه إن مات لا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، والقائلون بهذا القول لم يقولوا به عن هوى، ولكن لهم أدلة استندوا إليها، وقد ذكرنا أدلتهم مفصلة في الفتوى رقم: 1145.
وذهب الجمهور من العلماء إلى أن تارك الصلاة داخل في جملة المسلمين، وإن كان من أغلظ الفساق فسقا، ولكنه إن مات يصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين، واستدلوا بعمومات الأدلة القاضية بعدم خلود الموحدين في النار.
وعلى كل فالخطب يسير كما قدمنا، ولا ينبغي أن تكون هذه المسألة مما يعقد عليه الولاء والبراء؛ لأنها من مسائل الاجتهاد، والخلاف فيها سائغ، كما لا ينبغي القطع بتخليد تارك الصلاة في النار؛ لأن ذلك فرع على تكفيره، وتكفيره مختلف فيه كما تقدم، وهو من الأمور الظنية لا الأمور القطعية.
والله أعلم.