الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا يجوز لأبيك أن يبخل بماله عمن تلزمه نفقتهم من زوجته وأولاده الصغار الذين لا مال لهم، فهؤلاء تجب عليه نفقتهم بالمعروف، أي بما هو متعارف عليه ممن هم في مثل حالهم في اليسار والغنى، فإن بخل عليهم بهذا القدر فهو ظالم لهم آكل لحقوقهم، ويجوز لزوجته حينئذ أن تأخذ من ماله بالمعروف ما يكفيها ويكفي أولادها دون علمه بشرط أمن العاقبة، بحيث لا يترتب على ذلك ضرر كبير ومفسدة عظيمة، وإلا فلا يجوز لها الأخذ، ولها أن ترفع أمرها للقاضي ليلزمه بالنفقة الواجبة عليه، ولتستمر في السعي في طلب الرزق.
أما ما يحدث من أبيك تجاهك فلم يتبين لنا ما هو الدافع له على فعله، ومن المستبعد أن يقوم أب بمثل هذا التعنت والأذى مع ابنه دون سبب يحمله على ذلك، فإن كان منك تقصير في حق أبيك، فعليك أن تبادر فورا بتداركه وإصلاحه، فإن رضا الرب في رضا الوالد، وإن لم تتبين سببا ظاهرا لما يحدث فعليك أن تستوضح منه برفق وتلطف عما يحمله على ذلك، فإن تأكد لك أنه لا سبب لذلك إلا محض الظلم منه، فلا يسعك حينئذ إلا الصبر عليه، فإن عظم حقه عليك يستوجب منك أن تتغاضى عن زلاته وهفواته، وأن تقابلها بالبر والإحسان والصبر.
واعلم أن هذا ابتلاء من الله لك لينظر صبرك وقيامك بحق والدك، فإن صبرت فأبشر حينئذ بفرج عاجل، وثواب عظيم لك من ربك في الدين والدنيا، فقد قال سبحانه: وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا {الفرقان : 20} يقول ابن القيم رحمه الله: فليس لمن قد فتن بفتنة دواء مثل الصبر، فإن صبر كانت الفتنة ممحصة له ومخلصة من الذنوب، كما يخلص الكير خبث الذهب والفضة، فالفتنة كير القلوب ومحك الإيمان، وبها يتبين الصادق من الكاذب. انتهى.
فإن استمر الأمر على ذلك مع دوام صبرك عليه فيمكنك حينئذ أن توسط من يصلح بينكما من أهل الخير والفضل خصوصا من لهم وجاهة عنده، فلربما كان كلامهم أحظى عنده من كلامك.
وتذكر دائما أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا.
والله أعلم.