الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن المرجو دوام العشرة بين الزوجين لقوة الرابطة بينهما، والميثاق الغليظ الذي أخذه كل من الزوجين على صاحبه بعقد النكاح، الذي جعل بينهما مكاشفة واتصالاً جسدياً كان قبل العقد كبيرة من الكبائر، وصار بينهما مودة ورحمة وسكنا، لا يحصل بين أي فردين متقاربين كالأخ مع أخيه، قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {الروم:21}، وقال سبحانه: وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا {النساء:21}.
والزوجة لا يجوز لها أن تطلب الطلاق من زوجها في غير حاجة ماسة، أو ضرورة. لأن الإسلام جاء ليبني لا ليهدم، وليجمع على الخير لا ليفرق، وجاء الإسلام لسعادة النفوس، لا لشقائها، لهذا جاء الوعيد الشديد لمن طلبت من زوجها الطلاق بدون سبب وجيه، فقد روى أصحاب السنن من حديث ثوبان رضي الله عنه أنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة سألت زوجها طلاقاً من غير بأس، فحرام عليها رائحة الجنة.
ولذا فلا يجوز لك مغاضبة زوجك بسؤاله الطلاق والإلحاح عليه في ذلك، وقد كان عاقبته ما رأيت.
وأما ما أوقعه الزوج من طلاق صريح فإنه واقع ولو لم يقصد به وقوع الطلاق كالتهديد أو نحوه، كما أنه لا اعتبار للغضب ما لم يصل بالمرء إلى درجة فقد الوعي والإدراك.
فمن قال لزوجته أنت طالق أو مطلقة أو نحو ذلك فقد وقع الطلاق، لكن إن كان تكراره للطلاق في المرة الأولى يقصد به التأكيد فلا تقع إلا طلقة واحدة ثم تحسب عليه الطلقة الثانية فتكون طلقتان وله مراجعتك قبل انقضاء عدتك دون عقد جديد، وتحصل الرجعة بالقول أو الفعل مع النية، وبالوطء ولو بلا نية على الصحيح. فليراجعك قبل انقضاء عدتك، وعليكما أن تحذرا من جريان لفظ الطلاق على لسانيكما في الجد أو الهزل إذ لم يبق غير طلقة واحدة، ثم تحرمين عليه وتبينين منه بينونة كبرى حتى تنكحي زوجا غيره، فالحذر الحذر.
وانظري تكميلا للفائدة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 14779، 70525، 21944.
والله أعلم.