الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالذي نراه راجحا في هذه المسألة هو أن طلب المعونة من الجن محرم شرعا لأن الجن عالم من الغيب، ولما يترتب على فتح باب الاستعانة بهم في أوجه الخير من الفساد العريض، والذي رأينا كثيرا منه في بلاد المسلمين، فقد اتخذ كثير من السحرة والمشعوذين فتوى بعض أفاضل العلماء بجواز الاستعانة بالمسلم من الجن في المباحات تكأة لبسوا بها على عوام الناس وأوهموهم أن ما يفعلونه من الدجل والكهانة أمر جائز شرعا, ولو لم يكن إلّا سد ذريعة هذا الشر لكفى مقتضيا لتحريم هذا الفعل، فكيف وقد انضاف إليه أوجه أخرى تقضي بالمنع منها أن هذا الفعل محدث، فإن السلف رحمهم الله من الصحابة ومن بعدهم لم ينقل عنهم أنهم استخدموا هذا الطريق، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، فهذا النبي صلى الله عليه وسلم تمر عليه أحلك الظروف وأصعب المواقف في أحد والأحزاب، وغيرها ومع ذلك لم يعلق قلبه إلا بالله ولم يستعمل من الأسباب إلا ما كان في مقدور البشر.
وقد استدل بعض أهل العلم على منع التعامل معهم بقوله تعالى: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ {الشعراء:221،222}.
وبقوله تعالى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الأِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ{الأنعام:128}، وبقوله: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقا ً {الجن:6}. فدلت الآية بوضوح على أن استعانة الأنسي بالجني لا تزيد الإنسي إلّا رهقا وذلا والعياذ بالله، ثم إن الغالب في الجن أنهم لا يخدمون الإنس إلا إذا تقربوا إليهم بأنواع من القربات المحرمة: كأن يذبح لهم، أو يكتب كلام الله تعالى بالنجاسات وغير ذلك.
وبينّ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الجن لا ينفع الإنس إلا أن يستمتع به كما قال تعالى حكاية عنهم: ربنا استمتع بعضنا ببعض، وبيّن رحمه الله بعض أوجه هذا الاستمتاع فقال: ومن استمتاع الإنس بالجن استخدامهم في الإخبار بالأمور الغائبة كما يخبر الكهان، فإن في الإنس من له غرض في هذا، لما يحصل به من الرياسة والمال وغير ذلك، فإن كان القوم كفاراً كما كانت العرب لم تبال بأن يقال: إنه كاهن كما كان بعض العرب كهانا، وقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة وفيها كهان، وكان المنافقون يطلبون التحاكم إلى الكهان وكان أبو أبرق الأسلمي أحد الكهان قبل أن يسلم، وإن كان القوم مسلمين لم يظهر أنه كاهن، بل يجعل ذلك من باب الكرامات وهو من جنس الكهان، فإنه لا يخدم الإنسي بهذه الأخبار إلا لما يستمتع به من الإنسي بأن يطيعه الإنسي في بعض ما يريده، إما في شرك وإما في فاحشة وإما في أكل حرام وإما في قتل نفس بغير حق، فالشياطين لهم غرض فيما نهى الله عنه من الكفر والفسوق والعصيان، ولهم لذة في الشر والفتن يحبون ذلك وإن لم يكن فيه منفعة لهم، وهم يأمرون السارق أن يسرق ويذهبون إلى أهل المال فيقولون: فلان سرق متاعكم. اهـ.
فدل هذا وغيره على أن الواجب على المسلمين سد هذا الباب وأن يجتنبوا هذا المنزلق الخطير من منزلقات الشيطان التي استزل فيها كثيرا من المسلمين والله المستعان. وبهذا يتبين جواب سؤالك وتعلم أن الاستعانة بالجن لا تجوز مطلقا وانظر الفتوى رقم: 98569 .
كما أن ما ذكرته من توكيل بعض سور القرآن بالجن كلام غير واضح والظاهر أنه من إحداث الدجاجلة والمشعوذين, كما أن ما ذكرته من أمر الحجاب هو من التمائم الممنوعة شرعا ، وإنما اختلف العلماء في التمائم المشتملة على القرآن أو الأذكار وانظر لتفصيل الخلاف الفتوى رقم: 71590 .
والله أعلم.