الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا يجوز أن يفتي في دين الله تعالى إلا عالم بالشريعة، أما الفتوى بمجرد الرأي دون علم فباب من أبواب الضلالة، فإن أفتى من هو أهل للفتوى وبيَّن دليل فتواه ومستنده فلا شك أن هذا أكمل وأفضل. ولكن لا يلزمه ذلك، فله أن يفتي دون ذكر مستنده في الفتوى، وأظهر دليل على ذلك ما استفاض عن الصحابة والتابعين أنهم كانوا يفتون ويأخذ الناس فتاواهم، وقد لا يذكرون فيها الدليل، وهذا كثير مشهور في الكتب التي تعنى بذكر فتاويهم، كمصنفي عبد الرزاق وابن أبي شيبة. وهكذا كان حال الأئمة المتبوعين، كالإمام مالك وهذا ظاهر جدا في موطئه، والإمام أحمد وهذا ظاهر أيضا في مسائله، وراجع في ذلك الفتويين: 47075، 14585. ثم ينبغي التنبه إلى أن هناك من المسائل ما يخفى دليله فلا يستطيع المستفتي فهمه، ولذلك فصَّل السمعاني فقال: لا يمنع المستفتي من طلب الدليل، وأنه يلزم المفتي أن يذكر له الدليل إن كان مقطوعاً به، ولا يلزمه إن لم يكن مقطوعاً به؛ لافتقاره إلى اجتهاد يقصر فهم العامي عنه. اهـ. ونقل النووي ذلك عنه، وصوَّب خلافه
فقال في (آداب الفتوى والمفتي والمستفتي): ينبغي للعامي أن لا يطالب المفتي بالدليل، ولا يقل: لم قلتَ ؟ فإن أحبَّ أن تسكن نفسه لسماع الحجة طلبها في مجلس آخر، أو في ذلك المجلس بعد قبول الفتوى مجردة. اهـ.
أما مسألة التقليد، فالأصل هو اتباع الدليل، فإن كان المستفتي له القدرة على التمييز بين الأدلة ودلالتها، والمقارنة بين أقول الفقهاء، ومعرفة الراجح منها، كان هذا هو الواجب في حقه، وإن لم تكن له هذه الملكة فإنه يجوز له تقليد من يثق به من أهل العلم. وراجع في ذلك الفتويين: 17519 ، 31408 . وأخيرا ننبه السائل الكريم أن يجادل إن جادل بالتي هي أحسن، وأن يوسع صدره لإخوانه، وأن يكون رائده طلب الحق، ويتجنب المماراة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقا. رواه أبو داود وحسنه الألباني.
والله أعلم.