الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما حدث بين والدك وخالك وبين غيرهما من أفراد عائلتكم عموما هو من نزغ الشيطان الذي لا يألو جهدا أن يحرش بين المسلمين ليوقع العداوة والبغضاء بينهم, وينبغي على المسلم أن يكون على بصيرة من أمر عدوه فلا يدع نفسه ينزلق في خطوات الشيطان ومكائده, فإن فساد ذات البين من الأمور العظيمة التي تذهب الدين والمروءة خصوصا عندما تكون بين الأرحام والأقارب, فعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى، قال صلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين. رواه الترمذي وصححه الألباني, وحذر صلى الله عليه وسلم من هجر المسلم فقال: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ، يلتقيان فيعرض هذا، ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. رواه البخاري.
وجاء في سنن أبي داود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار. صححه الألباني. بل قد جاء وعيد شديد فيمن هجر أخاه سنة فقد روى أحمد وأبو داود وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه. صححه الألباني.
جاء في فيض القدير أي مهاجرته سنة توجب العقوبة، كما أن سفك دمه يوجبها، والمراد اشتراك الهاجر والقاتل في الإثم لا في قدره، ولا يلزم التساوي بين المشبه والمشبه به. ومذهب الشافعي أن هجر المسلم فوق ثلاث حرام إلا لمصلحة كإصلاح دين الهاجر أو المهجور أو لنحو فسقه أو بدعته. انتهى
فعليك بنصح جميع الأطراف أن يتقوا الله ويصلحوا ذات بينهم، وألا يضيعوا ما بينهم من حقوق الرحم، وقد قال الله تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ {النساء:1} أي واتقوا الأرحام أن تقطعوها. فإن قطعها من أعظم المحرمات، لقوله سبحانه: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ وتقطعوا أرحامكم أولَئكَ الَّذِينَ لَعنهم الله فأصمهمْ وأعمى أبصارَهُمْ {محمد:22،23} وليس الواصل الذي يصل من وصله، ويحسن إلى من أحسن إليه فحسب، فهذا مكافأة، وإنما الواصل الذي يصل من قطعه، ويحسن إلى من أساء إليه، روى البخاري وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها.
أما ما أقدم عليه أخوك عندما تزوج بابنة خاله دون موافقة أبيه، فهذا وإن كان خلاف الأولى، إلا أنه لم يظلم أباه عندما فعل ذلك خصوصا إذا ترتب على عدم زواجه منها ضرر, وكذا خالك الذي زوجه ابنته لم يبغ على حق من حقوق أبيك، بل إن والدك هو الذي جانبه الصواب عندما رفض زواج ابنه ممن يريد، فإن هذا حق للابن، ولا يجوز للأب أن يمنعه منه إلا بسبب شرعي معتبر كأن يريد الزواج ممن لا يرتضى دينها أو خلقها.
وأما أختك التي نشأت في بيت عمها فعليكم أن تعلموها بحقيقة نسبها الذي تحاول زوجة عمك أن تخفيه عنها, فإنه يحرم على الشخص أن ينتسب لغير أبيه، ويحرم على غيره أن يعينه على ذلك. ولا شك أن مقامها في بيت أبيها وسط إخوتها أولى من بقائها في بيت عمها، فإذا انضم لذلك أن أباها يطلب رجوعها لبيته فهنا يجب عليها الرجوع.
والله أعلم.