الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهذا الذي ذكره السائل الكريم من تأثير لحم الخنزير في ذهاب الغيرة، لم يأت التصريح به في القرآن ولا في السنة، ولكن نص عليه أهل العلم قديما وحديثا.
فقد ذكر أبو حيان الأندلسي في تفسير البحر المحيط عدة علل لتحريم لحم الخنزير، ومنها: أنه يقلع الغيرة ويذهب بالأنفة، فيتساهل الناس في هتك المحرم وإباحة الزنا. ثم قال: ولم تشر الآية الكريمة إلى شيء من هذه التعليلات التي ذكروها. انتهـى.
وقال الخطيب الشريني في تفسيره: قال العلماء: الغذاء يصير جزءاً من جوهر المتغذي، ولا بد أن يحصل للمتغذي أخلاق وصفات من جنس ما كان حاصلاً في الغذاء، والخنزير مطبوع على حرص عظيم ورغبة شديدة في المنهيات، فحرّم أكله على الإنسان لئلا يتكيّف بتلك الكيفية، ولذلك إن الفرنج لما واظبوا على أكل لحم الخنزير أورثهم الحرص العظيم والرغبة الشديدة في المنهيات، وأورثهم عدم الغيرة؛ فإنّ الخنزير يرى الذكر من الخنازير ينزو على الأنثى التي له ولا يتعرّض له لعدم الغيرة. اهـ. وذكر نحو ذلك ابن عادل و الألوسي في تفسيريهما.
وسئلت اللجنة الدائمة عن الحكمة من تحريم أكل لحم الخنزير، فكان مما ذكرته: أن أهل الخبرة ذكروا أن أكله يولد الدود في الجوف، وأن له تأثيراً في إضعاف الغيرة والقضاء على العفة .. اهـ.
وقال ابن عثيمين في فتاوى نور على الدرب: قيل: إن من خلق هذا الحيوان النجس قلة الغيرة، فإذا تغذى الإنسان به فقد تسلب منه الغيرة على محارمه وأهله؛ لأن الإنسان قد يتأثر بما يتغذى به، أفلم تر إلى نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل ذي ناب من السباع وعن أكل كل ذي مخالب من الطير، لأن هذه السباع وهذه الطيور من طبيعتها العدوان والافتراس فيخشى إذا تغذى بها الإنسان أن ينال من هذا الطبع لأن الإنسان يتأثر بما يتغذى به، فهذه هي الحكمة من تحريم لحم الخنزير انتهـى.
وقال عطية سالم في شرح بلوغ المرام: إذا نظرنا إلى وجود الخصال في الحيوان وجدناها تؤثر على الإنسان إذا أكثر من أكل لحمها، ووجدنا للعلماء كلاماً كثيراً في ذلك، ومنهم أبو حيان رحمه الله، حيث ذكر الحكمة في تحريم لحم الخنزير، فقال: إن من طبيعة هذا الحيوان افتقاد الغيرة، فالذكر لا يغار على أنثاه، فمن أكثر من أكل لحمه أثر لحمه على غريزة الغيرة عنده، فتضعف حتى يصبح لا غيرة له على نسائه. اهـ.
وراجع للفائدة الفتوى رقم: 26912.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: أحل النبي صلى الله عليه وسلم الطيبات وحرم الخبائث، مثل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير، فإنها عادية باغية، فإذا أكلها الناس -والغاذي شبيه بالمغتذي- صار في أخلاقهم شوب من أخلاق هذه البهائم، وهو البغي والعدوان، كما حرم الدم المسفوح لأنه مجمع قوى النفس الشهوية الغضبية، وزيادته توجب طغيان هذه القوى، وهو مجرى الشيطان من البدن .. انتهـى.