الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا يجوز لك الدعاء على هذه المرأة لأنها لم تظلمك ولم تمنعك حقا من حقوقك، وكونها طلبت منك التقدم لخطبتها أو أعطت وعداً بالزواج منك ثم رجعت عن ذلك لا يعد من قبيل الظلم، فربما طرأ عليها ما منعها من الزواج منك، وربما تقلب قلبها تجاه هذا الأمر فأصبحت تتوجس منه بعد أن كانت تطمئن إليه, بل لو كان رجوعها عن ذلك بلا سبب أصلا فلا حرج عليها.
جاء في فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك: قال الخرشي: ويكره للرجل ترك من ركنت إليه بعد خطبته لأنه من إخلاف الوعد, قال بعض ولا يحرم على المرأة أو وليها بعد الركون أن يرجعا عن ذلك الخاطب إلى غيره. انتهى.
ونذكرك أن أمر الزواج بيد الله وحده وقضاء الله سبحانه لعبده المؤمن خير, قال النبي صلى الله عليه وسلم: عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له. رواه مسلم.
فلا تحزن ولا تبتئس فربما كان هذا شرا صرفه الله عنك, فإن العبد لضعف علمه وقلة صبره يجزع إذا نزل به ما يكره, أو صرف عنه ما يرجو, ولعله خير له قال سبحانه: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {البقرة:216}.
يقول ابن القيم: فإن العبد إذا علم أن المكروه قد يأتي بالمحبوب والمحبوب قد يأتي بالمكروه، لم يأمن أن توافيه المضرة من جانب المسرة، ولم ييأس أن تأتيه المسرة من جانب المضرة، لعدم علمه بالعواقب، فإن الله يعلم منها ما لا يعلمه العبد. انتهى.
أما ما تظنه من كونها سخرت منك فهذا ظن سيئ لا ينبغي، وهو من وسوسة الشيطان لك وتحريشه بينك وبينها ليحملك بذلك على الانتقام منها بصورة ما ولو بالدعاء عليها كما تريد، فحاذر كيده ومكره واستعذ منه بالله إنه هو السميع العليم.
ولا ريب أنك أحسنت برفضك الخروج معها قبل الزواج لأنها أجنبية عنك، ونسأل الله أن يعوضك خيرا منها.
والله أعلم.