الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالأصل عدم جواز تعدد الجمعة في البلد الواحد إلا إذا ضاق المسجد بالمصلين أو تعذر الوصول إليه لبعده أو خيف حدوث فتنة ونحو ذلك.. فتقام الجمعة حينئذ في غيره من المساجد، وراجع الفتوى رقم: 27832.
وقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: ثبت أنه لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مسجد تقام فيه صلاة الجمعة بالمدينة إلا مسجد واحد هو المسجد النبوي، وكان المسلمون يأتون إليه لصلاة الجمعة به من أطراف المدينة وضواحيها كالعوالي واستمر الحال على ذلك في عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، وذلك دليل عملي منه صلى الله عليه وسلم على القصد إلى جمع المسلمين في صلاة الجمعة في البلد الواحد على إمام واحد إشعارا بوحدة القيادة وجمعا للقلوب وتأليفا للنفوس وزيادة في التعارف وتأكيدا لمعاني الأخوة ولو كان تعدد الجمع في البلد الواحد من غير مبرر شرعي مباحا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم أن يصلي كل منهم الجمعة في مسجده بأطراف المدينة لأنه صلى الله عليه وسلم ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه، وفي ذلك تيسير على أمته وتخفيف عنها وعمل بعموم قوله تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ {البقرة: 185} وعموم قوله: يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا { النساء: 28} فلما لم يأمرهم بالتعدد ولم يأذن لهم فيه دل ذلك على قصده عليه الصلاة والسلام إلى توحيد الجمعة في البلد الواحد، وجمعهم على إمام واحد فيها لما تقدم بيانه من الحكمة في ذلك. انتهى.
وما دام في قريتكم مسجدان لا يمتلئان بالمصلين وليسا بعيدين منكم بعدا يشق عليكم به أداء الصلاة فيهما ولم تخشوا حدوث فتنة.. فلا يجوز لكم أن تقيموا الجمعة في هذا المسجد لما في ذلك من تفريق المسلمين ومخالفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم... وكون هذين المسجدين مما يوجد فيه بعض البدع لا يسوغ لكم إحداث مخالفة أخرى بإقامة الجمعة في هذا المسجد بل عليكم أن تناصحوا القائمين على هذين المسجدين وتبينوا لهم بلين ورفق مخالفة ما يفعلونه لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، فإن استجابوا فبها ونعمت، وإن لم يستجبوا فإن شر بدعتهم يعود عليهم ولا يضركم أنتم شيئا، وقد بينا جواز صلاة الجمعة خلف من يتشبث ببدعة في فتاوى كثيرة وانظر الفتوى رقم: 105430، والفتوى رقم: 24537.
وهذا وننبه إلى أنه لا يحكم على شيء أنه بدعة إلا إذا علم ذلك من أهل العلم لأنه ربما يظن العامي أن أمرا ما بدعة وهو ليس كذلك.
والله أعلم.