الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن عليك مواصلة النصح لصديقتك هذه، وأن تسعي في إبعادها عن خطوات الشيطان قبل أن تقع فيما لا تحمد عقباه، فإن التناصح بين المسلمين والتواصي بالحق، والتعاون على البر والتقوى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أمر محتم لازم، قال الله تعالى: وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ {العصر}، وقال تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة:2}، وقال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {التوبة:71}، وفي الحديث: الدين النصيحة.. رواه مسلم.
على أن يتم هذا كله في جو من الستر دون إفشاء سرها أو فضيحتها، خصوصاً فيما يكون منها من معاص لا يتعدى ضررها للغير، فقد ثبت في الحديث: من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة. رواه مسلم.
أما ما كان منك من كلام مع مديركم حول هذا الأمر فلا ندري ما هو الدافع لذلك؟
فإن كان الدافع لذلك هو النصح له لأجل مصلحة العمل والمؤسسة التي يقوم عليها، فهذا لا بأس به إذا تم بالحدود الشرعية، والتي من أهمها الاقتصار في النصح على ما تدعو الحاجة لكشفه دون الولوج فيما وراء ذلك من عيوب وأخطاء.
أما إذا كان الدافع مجرد التشهير والتسلي بذكر العيوب، أو كنت قد ذكرت من عيوبها وأخطائها ما لا علاقة له بأمر العمل ومصالحه فهذا لا يجوز.
وأما قيامك بأخذ المال الذي اقترضته منك من راتبها دون إذنها فهو جائز بشرط ألا تأخذي زيادة على حقك، وأن تأمني عاقبة فعلك بحيث لا تتهمين من أجله بالخيانة أو السرقة، وهذه المسألة تعرف بمسألة:الظفر بالحق، وقد سبق بيان أحكامها بالتفصيل في الفتوى رقم: 28871.
ولكن لا يجوز لك أن تستوفي من راتبها حقاً لغيرك، لأنك لست في موطن القضاء والسلطة، ولا تدري مدى ثبوت هذا الحق، فإن الحقوق لا تثبت بمجرد الدعاوى.
وأما تخييرك للقائمين على العمل بين أن تتركي العمل أو تتركه هي فلا حرج عليك من ذلك، طالما أنه يلحقك ضرر من جراء بقائها في العمل، لما تلحقه بكم من سمعة سيئة تؤثر على المكان وأهله.
مع التنبيه أنك طالما قمت بالواجب عليك من نصحها ونصح القائمين على العمل، فلا يجوز لك أن تخوضي في عرضها والحديث عنها بعد ذلك، بل اتركيها وشأنها، فإنك لم ترسلي عليها وكيلاً ولا حفيظاً، وقد قال الله سبحانه لنبيه بعدما قام بواجبه من الدعوة والإنذار: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ {الذاريات:54}.
والله أعلم.