الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمهما كان حال الوالد من الظلم والتقصير في حق زوجنه وأولاده، فإن ذلك لا يسقط حقه في البر والطاعة في المعروف.
أما عن سؤالك، فاعلمي أنه بمجرد موت والدكم قد أصبحت كل ممتلكاته حقاً لجميع ورثته الشرعيين بعد سداد ما كان عليه من الديون ودفع ما أوصى به من الوصايا، فنصيبك من تركته حق خالص قرره لك الشرع ونصيب فرضه لك الله تعالى، وليس هو عطاء من أحد حتى تتحرجي من أخذه.
أما عن قولك أنك إذا أخذت شيئاً من تركته تكون وقفاً، فإذا كنت تلفظت به بهذه الصيغة دون أي لفظ يفيد الإلزام والإيجاب، أو كان ذلك مجرد نية دون تلفظ فلا يلزمك شيء به، ولك أن تتصرفي في حصتك كما تشائين، وأما إذا كنت قد تلفظت بما يُشعر بالإلزام كقول: لله عليّ أو نحو ذلك، فذلك نذر يجب عليك الوفاء به، لكن إذا كان هذا المال هو كل ما تملكين فلا يلزمك الصدقة به كله، وإنما يكفيك التصدق بثلثه.
قال ابن قدامة: ولو نذر الصدقة بكل ماله فله الصدقة بثلثه ولا كفارة عليه؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأبي لبابة حين قال: إن من توبتي يا رسول الله أن أنخلع من مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يجزيك الثلث. انتهى الشرح الكبير لابن قدامة.
أما عن كون أخذك للتركة أو تركك لها يؤذي والدك، فلا أثر لذلك عليه، لكن ينفعه إن تصدقت عنه، فعن ابن عباس رضي الله عنهما : أن سعد بن عبادة رضي الله عنه توفيت أمه وهو غائب عنها، فقال يا رسول الله: إن أمي توفيت وأنا غائب عنها أينفعها شيء إن تصدقت به عنها ؟ قال: نعم ، قال: فإني أشهدك أن حائطي المخراف صدقة عليها . رواه البخاري.
والله أعلم.