الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلم تذكر أيها السائل في رسالتك ما يدل على أنك قد أسأت إلى والدك، بل ما ذكرته هو أن والدكم – رحمه الله وعفا عنه – هو من أساء إليكم، وحرمكم كثيرا من حقوقكم، وأنكم قابلتم ذلك بالإحسان، فواظبتم على زيارته، وقمتم بتطبيبه في مرضه، ثم كنت أنت في خدمته في مرضه الذي لقي فيه ربه. فنسأل الله أن يجعل هذا في ميزان حسناتكم وأن يجزيكم عليه خير الجزاء.
وطالما كانت هذه سيرتك مع أبيك من بر وصلة وإحسان، فحتى لو حصل منك مرة أن أسأت إليه أو قصرت في حقه فإنك لن تؤاخذ عليه إن شاء الله، طالما كان ذلك على سبيل الهفوة والفلتة، واستغفرت الله وتبت إليه منها. قال سبحانه: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا {الإسراء:25}
قال القرطبي عند تفسيره لهذه الآية: وقال ابن جبير: يريد البادرة تبدر، كالفلتة والزلة، تكون من الرجل إلى أبويه أو أحدهما، لا يريد بذلك بأسا، قال الله تعالى: (إن تكونوا صالحين) أي صادقين في نية البر بالوالدين فإن الله يغفر البادرة. وقوله: (فإنه كان للأوابين غفورا) وعد بالغفران مع شرط الصلاح والأوبة.
ومع هذا فما زالت هناك فرصة للتكفير عما عساه قد حدث منك من تقصير في حق أبيك، وذلك بالمداومة على الدعاء له والإحسان إليه بالصدقة، وإكرام أصدقائه، وصلة أرحامه، فإن ذلك من البر الذي لا ينقطع بوفاته، فقد روى أبو داود وابن ماجه عن أبي أسيد مالك بن ربيعة الساعدي رضي الله عنه قال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله، هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما.
والله أعلم.