الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
ففاقد عقله كالمجنون، يحاسب على ما مضى منه من أفعال حينما كان عاقلا، وأما بعد فقده العقل فهو غير مكلف؛ إذ من شروط التكليف: العقل، فهو مرفوع عنه القلم فلا يكتب عليه إثم.
فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَرَّ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِمَجْنُونَةِ بَنِي فُلاَنٍ قَدْ زَنَتْ ، أَمَرَ عُمَرُ بِرَجْمِهَا، فَرَدَّهَا عَلِيٌّ ، وَقَالَ لِعُمَرَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، أَتَرْجُمُ هَذِهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : أَمَا تَذْكُرُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ:عَنِ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ. قَالَ: صَدَقْتَ ، فَخَلَّى عَنْهَا. رواه الإمام أحمد وأبوداود والحاكم في المستدرك –واللفظ له- وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه ووافقه الذهبي وصححه الألباني.
قال ابن عبد البر في الاستذكار: وأجمع العلماء أن ما جناه المجنون في حال جنونه هدر، وأنه لا قود عليه فيما يجني، فإن كان يفيق أحيانا ويغيب أحيانا فما جناه في حال إفاقته فعليه فيه ما على غيره من البالغين غير المجانين. وأجمع العلماء أن الغلام والنائم لا يسقط عنهما ما أتلفا من الأموال وإنما يسقط عنهم الإثم، وأما الأموال فتضمن بالخطأ كما تضمن بالعمد، والمجنون عند أكثر العلماء مثلهما. انتهـى
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء بالسعودية: هل الله يحاسب المجنون على كلامه وأفعاله؟ فأجابت بما يلي: المجنون مرفوع عنه قلم التكليف؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: رفع القلم عن ثلاثة: وذكر المجنون حتى يفيق. وأما ما يقع منه من إتلافات فإنها مضمونة عليه لأصحابها. وبالله التوفيق. انتهى
وقد سبق بيان أن فاقد العقل غير مكلف مع تفصيل في ذلك في الفتويين التاليتين: 50000، 104267 .
والله أعلم.