الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالذي يظهر من حال هذا الشخص – شفاه الله وعفا عنه – أنه مصاب بالوسواس القهري، وهو داء عضال ينبغي الأخذ بأسباب العلاج منه, وأعظم وسائل العلاج بعد الاستعانة بالله -جل وعلا- والتضرع إليه وكثرة ذكره, هو الإعراض عنه وعدم الاسترسال مع أعراضه, وقد بينا ذلك وزيادة في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 7578 , 3086 , 56276 .
مع المواظبة على الرقية الشرعية، وقد سبق ذكر كيفيتها، وضوابطها في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 3352 ، 4738 ، 13394 ، 16669 .
فإن لم تنصرف عنه هذه الوساوس فلا مانع حينئذ من عرض الأمر على طبيب نفسي مسلم، فإن الله جلت حكمته ما أنزل من داء إلا وجعل له دواء.
أما بخصوص طلاق هذا الرجل فإنه لا يقع طالما كان تحت تأثير الوساوس على ما نص عليه أهل العلم, قال الإمام الشافعي في كتاب الأم: ومن غلب على عقله بفطرة خلقة، أو حادث علة لم يكن لاجتلابها على نفسه بمعصية لم يلزمه الطلاق، ولا الصلاة، ولا الحدود، وذلك مثل المعتوه والمجنون والموسوس والمبرسم، وكل ذي مرض يغلب على عقله ما كان مغلوباً على عقله، فإن ثاب إليه عقله فطلق في حاله تلك أو أتى حداً أقيم عليه، ولزمته الفرائض. انتهى.
وقال صاحب التاج والإكليل: سمع عيسى في رجل توسوسه نفسه فيقول: قد طلقت امرأتي، أو يتكلم بالطلاق وهو لا يريده أو يشككه، فقال: يضرب عن ذلك ويقول للخبيث: صدقت، ولا شيء عليه، ابن رشد: هذا مثل ما في المدونة أن الموسوس لا يلزمه طلاق، وهو مما لا طلاق فيه، لأن ذلك إنما هو من الشيطان فينبغي أن يلهى عنه ولا يلتفت إليه. انتهى.
أما إن كانت الوساوس بمعزل عن الطلاق، أو أوقع الطلاق وهو عاقل له قاصد لما يقول فلا شك في أن طلاقه يقع حينئذ حتى ولو كان في الأصل موسوسا, ويفهم هذا من كلام الإمام الشافعي المذكور آنفا حيث قال: فإن ثاب إليه عقله فطلق في حاله تلك، أو أتى حداً أقيم عليه ولزمته الفرائض، وكذلك المجنون يجن ويفيق فإذا طلق في حال جنونه لم يلزمه، وإذا طلق في حال إفاقته لزمه. انتهى.
والله أعلم.