الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الحج له تحللان: تحلل أول ويكون برمي جمرة العقبة عند بعض العلماء، أو بنسكين من ثلاثة: الرمي والحلق أو التقصير والطواف عند الأكثر، قال الشيرازي في المهذب:
وَإِذَا رَمَى وَحَلَقَ وَطَافَ حَصَلَ لَهُ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي، وَبِأَيِّ شَيْءٍ حَصَلَ لَهُ التَّحَلُّلُ؟ إنْ قُلْنَا: إنَّ الْحَلْقَ نُسُكٌ حَصَلَ لَهُ [التَّحَلُّلُ] الْأَوَّلُ بِاثْنَيْنِ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَهِيَ الرَّمْيُ وَالْحَلْقُ وَالطَّوَافُ, وَحَصَلَ لَهُ [التَّحَلُّلُ] الثَّانِي بِالثَّالِثِ. وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ الْحَلْقَ لَيْسَ بِنُسُكٍ حَصَلَ لَهُ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ بِوَاحِدٍ مِنْ اثْنَيْنِ - الرَّمْيِ وَالطَّوَافِ - وَحَصَلَ لَهُ التَّحَلُّلُ الثَّانِي بِالثَّانِي. انتهى.
وبالتحلل الأول يحل للمحرم كل شيء إلا النكاح. وتحلل ثانٍ قد تقدم بيانه وبه يحل للمحرم كل شيء حتى النساء.
قال الشيرازي في المهذب: وَفِيمَا يَحِلُّ بِالتَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الصَّحِيحُ [أَنَّهُ] يَحِلُّ بِالْأَوَّلِ جَمِيعُ الْمَحْظُورَاتِ إلَّا الْوَطْءَ. وَبِالثَّانِي يَحِلُّ الْوَطْءُ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها. انتهى.، ومراده بحديث عائشة حديثُ: إذَا رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ وَالصَّيْدَ. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وجود النووي إسناده.
ومن وجب عليه دم لترك واجب من واجبات الحج أو لفعل محظور من محظورات الإحرام، فإن ذلك لا يؤثر في تحلله من إحرامه، بل الواجب عليه أن يبادر بذبح الهدي مسارعة في إبراء ذمته، وأما تحلله فصحيح وجائز له كل ما يجوز لمن حل من إحرامه، وأما الهدي الذي يتوقف التحلل عليه ولا يصح قبل ذبحه فهو الهدي الواجب على المحصر؛ لقوله تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ {البقرة: 196}. وليس كذلك سائر الدماء الواجبة.
والله أعلم.