الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا كان افتراء الكذب على الناس يترتب عليه ضرر لهم، أو تضييع لحقوقهم، أو يلحق بهم معرة ونحو ذلك فإنه يعتبر من الظلم الذي يبيح لهم الدعاء على من ظلمهم بافترائه عليهم. فقد قال الله تعالى: لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا. {النساء:148}
ومن المعلوم أن دعوة المظلوم من الدعوات التي لا ترد إذا لم يتعد في دعائه ويتجاوز مظلمته، فقد روى الإمام أحمد وغيره عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده.
وهذا ما لم يعتد المظلوم في الدعاء ويتجاوز مظلمته- كما أشرنا- فقد قال صلى الله عليه وسلم: المستبان على ما قالا فعلى البادئ منهما ما لم يعتد المظلوم. رواه مسلم.
فلا يجوز له أن يدعو على من ظلمه بأكثر من مظلمته .
ولا شك أن العفو والصبر أفضل من الانتقام والدعاء على الظالم. قال الله تعالى: وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ. {الشورى:43}. وقال تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ .{الشورى:40}.
وللمزيد انظر الفتويين: 2789 ، 20322.
وأما افتراء الكذب على الله تعالى وعلى دينه وعلى رسوله فلا شك أنه من أشد أنواع الظلم والبغي والعدوان. قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ. {النحل:116}
وفي شأن افتراء الكذب عموما يقول تعالى: إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ. {النحل:105}
فهو ظلم من أكبر الظلم ولكنه ليس ظلما لشخص بعينه بل هو كفر، وصاحبه يعامل معاملة من ارتكب مكفرا فيدعى إلى التوبة والرجوع إلى الإسلام إن كان مسلما قبل ذلك، والدعاء عليه يكون من باب الدعاء على أعداء الإسلام لا باعتباره شخصا معينا.
والله أعلم .