الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن المسلم مطالب بالإقدام وبذل الأسباب ثم تفويض الأمور إلى الله تعالى. روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان.
وعلى ذلك فالثقة بالنفس بعد التوكل على الله مطلوبة شرعا، بخلاف الغرور فهو مذموم؛ لأنه شعور بالعظمة وتوهم الكمال، أي أن الفرق بين الثقة بالنفس وبين الغرور هو أن الأولى تقدير للإمكانيات المتوفرة، أما الغرور ففقدان أو إساءة لهذا التقدير.
وأما التواضع فهو خلق محمود، وهو لا ينافي الثقة بالنفس، ويكفي دلالة على ذلك ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان متواضعا مع شجاعة وإقدام وتوكل على الله في كل ما هو من أمور الخير.
وهكذا ورث العلماء الربانيون هاتين الصفتين، كيف لا وكلتاهما لازمتان لبناء شخصية المسلم، لا سيما الدعاة إلى الله؛ إذ كيف يتأتى لغير الواثق بنفسه أن يدعو غيره إلى الخير ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ولا يخشى في الله لومة لائم؟
انظر مثلا إلى ثبات الإمام أحمد بن حنبل في محنة خلق القرآن وصبره على الجلد بالسوط، أتراه لم يكن واثقا من نفسه؟ بلى، ومع ذلك هل ترى أنه كان متكبرا أم متواضعا؟
إن الناظر في سير العلماء الربانيين يجدهم أكثر الناس تواضعا؛ لأنهم إنما يتواضعون لله، يتواضعون للحق لا للباطل، فإن الرضوخ للباطل مهانة وليس تواضعا، وقد نهانا الله عن المهانة، قال سبحانه: وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ {آل عمران: 139}، ومع ذلك يقول عليه الصلاة والسلام: إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد. رواه مسلم.
فالتواضع عكس الكبر، وليس عكس الثقة بالنفس، والكبر قد فسره النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: الكبر بطر الحق وغمط الناس. رواه مسلم. وبطر الحق: دفعه وإنكاره ترفعا وتجبرا. وغمط الناس:ازدراؤهم واحتقارهم.
ولمزيد الفائدة راجع الفتاوى التالية أرقامها: 54512، 74593، 118772، 93043.
والله أعلم.