الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فيمكن تلخيص هذه الدروس في ألفاظ مجملة، وهي: الصبر على أمر الله والثبات على دينه، والعزيمة على الرشد والاستقامة على الشرع، والاستمساك بالوحي وأخذه بقوة، والصدق مع الله والحزم في طلب الآخرة والزهد في الدنيا. وأن من فعل ذلك كانت العاقبة له، وأرغم الله له أنوف أعدائه وأظهره عليهم، ومكن له في الأرض واستخلفه فيها، ويكون له في المآل ما هو خير له وأنفع مما تركه وأعرض عنه ابتغاء وجه الله، ولذلك لما ذكر الله تعالى حال الخلف التالف من بني إسرائيل، وميلهم إلى الدنيا وركونهم إليها، ذكَّرهم أن الآخرة خير وأبقى، ثم مدح المستمسكين بوحيه المتقربين إليه بالعبادة، وبشرهم أن أجرهم محفوظ لا يضيع، وسعيهم مشكور لا يخيب، قال تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ* وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ {الأعراف:169-170}.
ولهذا أيضا لما ذكر الله أنواعا من متاع الدنيا في سورة الزخرف، التي ينبئك اسمها عن فحواها، أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالاستمساك بالوحي، ونبه سبحانه أنه هو الشرف الحقيقي والرفعة والمكانة المرموقة، فقال عز وجل: فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ* وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ. {الزخرف:43-44}، وقال سبحانه: فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ. {الشورى:15}، ثم من هذه الدروس أيضا معرفة حفظ الله تعالى لأوليائه وتثبيته وإعانته لهم، كما قال الله تعالى في حق نبيه يوسف: كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ.{يوسف:24}، وقال تعالى: فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. {يوسف:34}.
وقال سبحانه في حق نبينا صلى الله عليه وسلم وما تعرض له: وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا* وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا* إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا* وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا* سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا. {الإسراء}، والشاب المسلم يستفيد من ذلك بأن يقتدي ويتأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم في الاتصاف بهذه الصفات الجميلة، والتخلق بتلك الأخلاق الجليلة، فلا يفتتن بزخارف الحياة الدنيا، ولا يلتفت إلى ما يصده عن دينه من المغريات، وإنما يوحد وجهته ويقبل عليها بهمته، وبذلك يكون من المتقين المقربين، ويمهد الطريق للتمكين لهذا الدين.
والله أعلم.