الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن كان واقع الحال ما ذكرت من أن أباك قد وهب لبعض أبنائه بيوتا ومحلا للتجارة، ولم يهب لآخرين فلا شك أن هذا خلاف العدل الذي أمر الله به في كتابه بقوله تعالى: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ {النحل:90} وأمر الله به رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: اتقوا الله، واعدلوا بين أولادكم. متفق عليه.
وقد اختلف أهل العلم في صحة هذه الهبة ونفاذها، فمنهم من قال هي هبة ماضية صحيحة لأن العدل مستحب وليس بواجب، ومنهم من قال هي هبة باطلة لأن العدل بين الأولاد واجب، والمفتى به عندنا أنه إذا لم يكن هناك مسوغ شرعي للتفضيل فإن الهبة باطلة وترد على التركة بعد وفاة الأب.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى فيمن فضله أبوه بالعطية ومات الأب قبل أن يسوي بينه وبين إخوانه: الواجب على من فضل أن يتبع العدل بين إخوته فيقتسمون جميع المال الأول والآخر على كتاب الله تعالى للذكر مثل حظ الأنثيين. انتهى.
وأما البيت الذي وهبه لإحدى زوجتيه دون الأخرى فالظاهر والله أعلم أنها تختص به ما دامت قد حازته في حياته ولا يضم للتركة. علما بأن وجوب المساواة بين الزوجات في مثل هذا من مسائل الخلاف.
وأما هل تقسم بقيمتها الحالية أم بسعر الشراء، فالبيت من ضمن التركة ويقسم بما هو عليه الآن، وليس بسعر الشراء في حياة الأب. وأما الأموال التي أنفقها الأب في زواج ابنه فإنها لا تدخل في ذلك، ولا تعتبر من الجور في العطية؛ لأنها نفقة لها مسوغ، وهي الحاجة، وليست هبة، فلو احتاج أحد الأبناء إلى زواج أو علاج أو دفاتر للدراسة ونحوها فلا يلزم الأب أن ينفق مثلها على بقية أولاده، لأن تلك نفقة وليست هبة.
قال ابن عثيمين رحمه الله تعالى: لو احتاج أحد الأبناء إلى زواج فزوجه فإنه لا يلزمه أن يعطي الآخرين مثل ما أعطى هذا لزواجه، ولكن يجب عليه إذا بلغ الآخرون سن الزواج وأرادوا أن يتزوجوا أن يزوجهم كما زوج الأول. انتهى. وانظر الفتوى رقم: 114813.
والله أعلم.