الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله أن يزيدكم حرصا على السنة وتمسكا بها، ونحب أن نوجه إليكم النصح قبل توجيهه إلى هذا الإمام الفاضل هدانا الله وإياه، وذلك أن الحرص على السنة والتحمس في نصرتها أمر حسن، ولكن يجب أن ينضبط هذا الحماس بالعلم الشرعي الذي يعصم من التهور والاندفاع، وإنكار ما ليس بمنكر، كما يجب أن ينضبط هذا التحمس بمزيد من الرفق واللين والرغبة الصادقة في هداية الخلق، فيكون الواحد منكم حريصا على إخوانه ناصحا لهم ساعيا فيما فيه مصلحتهم، لا أن ينصب بينه وبينهم العداء بزعم كونهم من أهل البدع، ولو تحليتم بالرفق واللين والنصيحة الهادئة المهذبة، فلا نشك إن شاء الله في أنكم ستفلحون في تغيير كثير من الأوضاع التي تنكرونها، وننصحكم ألّا تعجلوا بالإنكار حتى تتثبتوا من المسألة التي تنكرونها، فمثلا إنكاركم قراءة الإمام للسور -التي سميتموها- غلط منكم، فأي حرج على المسلم في أن يقرأ من كتاب الله ما يتقنه، وربما يكون يقرأ هذه السور لكونه لا يحفظ غيرها حفظا جيدا، ثم إن هذه السور هي التي سمى النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بعضها ونظائرها ليقرأ بها بالناس إذا صلى بهم، كما هو معلوم والحديث في الصحيحين. وإذا كان هذا الإمام يأتي بالقدر الواجب من الطمأنينة في القيام والركوع والسجود، وإنما لا يطيل الإطالة التي تمكنكم من الإتيان بما زاد على القدر الواجب من الأذكار فلا حرج في هذا أيضا، وليس هذا ممّا ينكر، فإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء، ولعله يفعل ذلك تخفيفا على المصلين لكون بعضهم كبيرا أو مريضا أو نحو ذلك فيكون في فعله هذا متبعا للسنة.
وأما ما يفعله من المخالفات كقص اللحية وإطالة الشارب والتزامه بالأذكار البدعية فناصحوه فيها برفق ولين، وسيستجيب إن شاء الله، فإن لم يستجب فضرر مخالفته عليه، وليس عليكم من ذلك شيء،
وما يتركه من السنن كترك القبض وترك دعاء الاستفتاح والتعوذ والبسملة عند من يقول إنها ليست من الفاتحة، فلعله يتبع مذهبا من مذاهب أهل السنة في هذه الأمور، وبالتالي فذلك لا يبطل الصلاة، ولا يستأهل منكم المبالغة في الإنكار والذم، ولكن فقط يستدعي منكم البيان بالتي هي أحسن، وأن المذهب الذي يتبعه في هذه الأمور مرجوح، ودليل غيره فيها أرجح من دليله، فلعله يستجيب فيتحقق المقصود بإذن الله، والظاهر أن هذا الإمام فيه خير بدليل أنكم لما سألتموه عن مسألة تسوية الصفوف أجاب فيها بالصواب، فعليكم أن تستغلوا هذا الجانب من الخير فيه، ولا تتخذوه عدوا، بل اقتربوا منه، وحاولوا تأليفه على السنة. وفقكم الله لما فيه الخير.
وإلى هذا الإمام نقول : أنت على ثغر فلا تضيعه، وأنت القدوة للناس في بلدك، والأمانة كبيرة، والمسؤولية عظيمة، والتبعة بين يدي الله ثقيلة، فكن على قدر المسؤولية، واجعل همك أن يرضى عنك الله، إذا قمت بتبليغ دينه على الوجه الذي يرضاه، فلا تخش في الله لومة لائم، وأرض الله ولو سخط الناس، فالله أحق أن يستحيى منه من الناس. واعلم أن الله سيرضيهم عنك، ويعصمك من السوء. وعظم سنة النبي صلى الله عليه وسلم وجانب البدع والمحدثات، فإن كل أمر لم يكن عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فهو رد، وأحسن الهدي هديه صلى الله عليه وسلم . قال تعالى: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم. فقراءة الأذكار في جماعة، وما يسمى بالصلاة الفاتحية، كل هذا من البدع والمخالفات، فلا يليق بك أن لا تغيرها وأنت قادر على هذا، فتكون قد أحييت سنة وأمتت بدعة، وأنعم بهذا من فضل، جعلك الله من أنصار السنة.
واعلم أن الحق لا يضره قلة أتباعه، بل ذلك منقبة لأهل الحق أن يتمسكوا به في زمن إعراض الناس عنه.
قال الفضيل رحمه الله: اسلك سبيل الهدى ولا يضرك قلة السالكين، وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين. وفقنا الله وإياكم لما فيه الرشاد.
ملحوظة: نرجو من الإخوان أن يطلعوا الإمام على الفتوى كاملة.
والله أعلم.