الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الشعائر العظيمة، ومن أسباب خيرية هذه الأمة، كما قال تعالى: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ {آل عمران:110}، ولا شك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الكفاية، ويتعين في بعض الأحوال بحسب القدرة، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية، ومما قاله في ذلك: وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يجب على كل أحد بعينه، بل هو على الكفاية، كما دل عليه القرآن.. إلخ كلامه في مجموع الفتاوى.
ومن محاسن الشرع أنه جعل إنكار المنكر مراتب، وعلق ذلك بالاستطاعة؛ كما في قوله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم. فإذا عجز المسلم عن إنكار المنكر بيده ولسانه لعدم استطاعته ذلك أو لما ينزل به من ضرر غير محتمل، أو لما قد يترتب على ذلك من مفسدة أكبر من المنكر الذي ينكره فهو معذور في ترك ذلك الإنكار، ولينتقل إلى المرتبة الثالثة المذكورة في الحديث السابق وهي الإنكار بالقلب، وصفته: أن يشعر المؤمن في قلبه بكراهة هذا المنكر وبغضه له، وأن يتمنى أن لو قدر على تغييره، وأن يناله حزن وهم لعدم قدرته على تغيير هذا المنكر، وهذا الأخير هو من أمارات صدق الإنكار بالقلب، وينبغي أن ينضم إلى ذلك سؤال الله الإعانة على تغيير هذا البلاء وإزالته حقيقة، ومما ينبغي أن يشار إليه أنه إن كان الإنسان عاجزاً عن تغيير المنكر إلا أنه بوسعه مفارقة المكان الذي يعصى الله به، فيجب عليه مفارقته، ولا يكتفي في هذه الحالة بإنكار القلب فقط، وقد سبق بيان هذا بأدلته في الفتوى رقم: 1048.. وأيضاً ذكرنا فضل وضوابط وشروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الفتوى رقم: 9358 فراجعها.
والله أعلم.