الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالجواب على مسألة الأناشيد الدينية المصاحبة للموسيقى وكونها أفضل من سماع الأغاني.. أنه لا فضل في واحد منهما، لا في سماع الأغاني المصاحبة للموسيقى، ولا في سماع الأناشيد المصحابة للموسيقى. والصواب أن يقال: أن من كان يستمع لهذه الأناشيد ويستحسنها طبعا لا شرعا، ويعتقد حرمة الموسيقى المصاحبة لها فإنه قد يكون أخف إثما ممن يستمع للأغاني الماجنة؛ فإن بعض الشر أهون من بعض.
أما إن كانت تُسمع تقربا إلى الله، ويُعتقد أنها طريقة شرعية للسعادة الروحية، أو أنها من وسائل تزكية النفس، فإنها عندئذ من البدع المذمومة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالة: أمراض القلوب: من المعلوم أنه لم يكن في القرون الثلاثة المفضلة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: خير القرون قرني الذي بعثت فيه، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم. لا في الحجاز ولا في الشام ولا في اليمن ولا في العراق ولا في مصر ولا في خراسان أحد من أهل الخير والدين يجتمع على السماع المبتدع لصلاح القلوب، ولهذا كرهه الأئمة كالإمام أحمد وغيره، وعده الشافعي من إحداث الزنادقة حين قال: خلفت ببغداد شيئا أحدثه الزنادقة يسموه التغيير يصدون به الناس عن القرآن. انتهـى.
والتغبير ـ كما يقول ابن تيمية: هو الضرب بالقضيب على جلودهم من أمثل أنواع السماع. وقد كرهه الأئمة فكيف بغيره. اهـ.
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن جماعة يجتمعون على قصد الكبائر من القتل وقطع الطريق والسرقة وشرب الخمر وغير ذلك. ثم إن شيخا من المشايخ المعروفين بالخير واتباع السنة قصد منع المذكورين من ذلك فلم يمكنه إلا أن يقيم لهم سماعا يجتمعون فيه بهذه النية، وهو بدف بلا صلاصل، وغناء المغني بشعر مباح بغير شبابة، فلما فعل هذا تاب منهم جماعة وأصبح من لا يصلي ويسرق ولا يزكي يتورع عن الشبهات، ويؤدي المفروضات، ويجتنب المحرمات. فهل يباح فعل هذا السماع لهذا الشيخ على هذا الوجه لما يترتب عليه من المصالح ؟ مع أنه لا يمكنه دعوتهم إلا بهذا ؟
فأجاب: الحمد لله رب العالمين، أصل جواب هذه المسألة وما أشبهها أن يعلم أن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيد، وأنه أكمل له ولأمته الدين كما قال تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا.... إلى أن قال رحمه الله: إذا تبين هذا فنقول للسائل: إن الشيخ المذكور قصد أن يتوب المجتمعون على الكبائر فلم يمكنه ذلك إلا بما ذكره من الطريق البدعي يدل أن الشيخ جاهل بالطرق الشرعية التي بها تتوب العصاة، أو عاجز عنها، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين كانوا يدعون من هو شر من هؤلاء من أهل الكفر والفسوق والعصيان بالطرق الشرعية التي أغناهم الله بها عن الطرق البدعية. اهـ. ثم فصل رحمه الله الكلام في أكثر من عشرين صفحة.
وعلى أية حال فلا بأس بسماع الأناشيد الدينية الخالية من المحاذير الشرعية، والتي من جملتها مصاحبة المعازف، كما سبق بيانه في الفتويين:2351، 21655.
وأما البدعة المذمومة شرعا فلا تكون إلا في العبادات؛ إذ إن مبناها على التوقيف، فلا يعبد الله إلا بما شرعه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم. وكل أمر لم يرد به الشرع ففعله على وجه التعبد والتقرب به إلى الله من البدع، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 631.
وبهذا يعرف لماذا لا يعتبر الجوال والسيارة والتلفاز والحاسوب من البدع، فإنها ليست من أمور العبادة حتى تدخل في دائرة البدع. وقد سبق تعريف البدعة وبيان خطرها في الفتوى رقم: 17613، وكذلك سبق بيان أن البدعة في اللغة تنقسم إلى حسنة وسيئة أما في الشرع فلا، وذلك في الفتوى رقم: 2741.
والله أعلم.