الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد بينا حكم إمامة المرأة للنساء وأنها مشروعة في الفتوى رقم: 26491.
وأما صلاة هذه المرأة في السراويل الضيقة فهي مكروهة كراهة شديدة، وقد تصل إلى حد التحريم، ولكنها صحيحة إذا كانت هذا السراويل تستر لون البشرة.
قال ابن قدامة: فإن كان خفيفاً يُبَيِّن لون الجلد من ورائه -فيُعلم بياضه أو حمرته- لم تجز الصلاة فيه، لأن الستر لا يحصل بذلك. وإن كان يستر لونها ويصِف الخلقة، جازت الصلاة، لأن هذا لا يمكن التحرّز منه، وإن كان الساتر صفيقاً. انتهى.
وقد نص الشافعي على كراهة الصلاة في الثياب الضيقة، ونص على أن الكراهة في حق المرأة أشد، قال رحمه الله: وإن صلى في قميص يشف عنه لم تجزه الصلاة، فإن صلى في قميص واحد يصفه ولم يشف كرهت له، ولا يتبين أن عليه إعادة الصلاة والمرأة أشد حالاً من الرجل إذا صلت في درع وخمار يصفها، وأحب إليّ أن لا تصلي إلا في جلباب فوق ذلك وتجافيه عنها لئلا يصفها الدرع. انتهى.
فالذي ينبغي للمرأة في الصلاة أن تصلي في ثياب تستر جميع البدن، خلا الوجه والكفين، وشرطها أن تكون فضفاضة، لا تصف حجم البدن؛ لحديث أم سلمة رضي الله عنها أنها سألت الرسول صلى الله عليه وسلم أتصلي المرأة في درع وخمار ليس عليها إزار ؟ فقال : إذا كان الدرع سابغاً يغطي ظهور قدميها. رواه أبو داود بإسناد جيد كما قال النووي، ولكن صوب الدارقطني وقفه على أم سلمة، ومثله لا يُقال بالرأي.
وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: كساني رسول الله قبطية كثيفة مما أهداها له دحية الكلبي فكسوتها امرأتي، فقال : ما لك لم تلبس القبطية ؟ قلت : كسوتها امرأتي . فقال: مرها فلتجعل تحتها غلالة فإني أخاف أن تصف حجم عظامها. رواه أحمد وحسنه الألباني.
وبه يظهرُ أن المرأة ليس لها أن تلبس من الثياب ما كان ضيقاً يصفُ حجم العظام في الصلاة، فإن الله أحق أن يُستحيا منه من الناس، وقد أمر تعالى بأخذ الزينة في الصلاة فقال: يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد. {الأعراف :31}.
وجاء عن كثير من السلف والأئمة التشديد في أمر لبس المرأة الثياب الضيقة في الصلاة، قال مكحول: سألت عائشة : فبكم تصلي المرأة ؟ فقالت : ائت علياً فاسأله ثم ارجع إلي . فقال : في درع سابغ وخمار. فرجع إليها فأخبرها فقالت : صدق. رواه عبد الرزاق، وابن أبي شيبة.
وقد سئل الإمام أحمد المرأة في كم ثوب تصلي ؟ قال : أقله درع وخمار، وتغطي رجليها، ويكون درعاً سابغاً يغطي رجلها. انتهى
وقال الإمام أحمد أيضاً : قد اتفق عامتهم على الدرع والخمار وما زاد فهو خير وأستر؛ ولأنه إذا كان عليها جلباب فإنها تجافيه راكعة وساجدة لئلا تصفها ثيابها فتبين عجيزتها ومواضع عورتها .انتهى.
وقال ابن عبد البر: والذي عليه فقهاء الأمصار بالحجاز والعراق أن على المرأة الحرة أن تغطي جسمها كله بدرع صفيقٍ سابغٍ، وتخمر رأسها فإنها كلها عورة إلا وجهها وكفيها، وأن عليها ستر ما عدا وجهها وكفيها. انتهى.
وبهذا كله يظهر ما قدمناه من كراهة صلاة المرأة في الثياب الضيقة وأنها في ذلك أشد حالا من الرجل.
وأما الصلاة خلفها فصحيحة، ولكن الأولى أن تتقدم للإمامة غيرها ممن تتزيا بالزي الشرعي، أو الاستمرار في مناصحتها حتى تترك هذا الأمر، وليس عليكِ ضيرٌ إذا غضبت منكِ لأجل نصحها لأنك تأمرينها بالمعروف، فعليكِ أن تستمري في مناصحتها لعل الله أن يوفقها للاستجابة للنصح.
ثم اعلمي أن خروج المرأة وبروزها في المحافل بهذه الثياب الضيقة بحيث يراها الرجال الأجانب مما يكون مثاراً للفتنة من المنكرات التي يخشى على فاعلتها أن تكون داخلة تحت قول النبي صلى الله عليه وسلم: صنفان من أهل النار لم أرهما ، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات ، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة ، لا يدخلن الجنة ، ولا يجدن ريحها ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا. أخرجه مسلم.
والله أعلم.