الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلمي أيتها السائلة أن الابتلاء والاختبار من أعظم حكم خلق الإنسان ليتميز الصادق من الكاذب والخبيث من الطيب، قال سبحانه: إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا {الإنسان : 2 ، 3}
والابتلاء يتنوع في هذه الدار الدنيا، فمن الناس من يبتلى بالغنى، ومنهم من يبتلى بالفقر، ومنهم من يبتلى بالصحة، ومنهم من يبتلى بالمرض، وهكذا .
وقد ذكرت في حديثك أن زوجك رجل صالح، وهذه نعمة من أعظم نعم الله عليك وعلى أولادك، فإن صلاح رب الأسرة صلاح للأسرة جميعا، كما أن في فساده ضياعا للأسرة جميعا إلا ما شاء الله.
أما ما يكون منه من هنات تتمثل في سرعة غضبه وانفعاله وردود أفعاله العنيفة، فهذا مما يمكن تحمله والصبر عليه ابتغاء رضوان الله، وطلبا لثوابه وجنته، وقد روى الإمام أحمد عن الحصين بن محصن أن عمة له أتت النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة ففرغت من حاجتها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أذات زوج أنت؟ قالت: نعم، قال: كيف أنت له؟ قالت: ما آلوه إلا ما عجزت عنه، قال: فانظري أين أنت منه، فإنما هو جنتك ونارك. صححه الألباني في السلسلة الصحيحة.
فماذا يضيرك لو صبرت هذه الأيام القلائل مقابل الفوز بنعيم الجنة الذي لا يفنى ولا يبيد ورضوان من الله أكبر، ففي المسند وصحيح ابن حبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت بعلها، دخلت من أي أبواب الجنة شاءت.
وكلامنا هذا لا يعني عدم النصيحة له أو ترك محاولة استصلاحه واستنقاذه من داء الغضب الوبيل كلا، بل ينبغي لك، ومن حقه عليك أيضا أن تنصحي له بأسلوب رفيق رقيق لا تشوبه شائبة تسلط ولا عنف، وأن تذكريه بحقك عليه، وما أمره الله به من معاشرة زوجه بالمعروف، وقد سبق بيان معنى المعاشرة بالمعروف في الفتوى رقم: 116273.
ثم ذكريه دائما بسيرة رسولنا الكريم، وكيف كانت أحواله مع نسائه وهو القائل: خيركم خيركم لأهله، و أنا خيركم لأهلي. رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني.
فقد كان صلى الله عليه وسلم يحسن إليهن غاية الإحسان، ويصبر عليهن، ويقيل عثراتهن مع ما كان يصدر منهن من هنات في بعض الأوقات كمراجعته بل وهجره أحيانا، وكان صلى الله عليه وسلم يقابل هذا كله بالحلم والصفح، بل لا يزيده ذلك إلا حلما وعفوا، وراجعي في ذلك الفتاوى رقم: 69672، 46907، 34925.
ويمكنك أن تقترحي على زوجك أن يعرض نفسه على طبيب نفسي مسلم متدين، فأحيانا ما يكون هناك أسباب مرضية أو اختلالات هرمونية وراء هذه الانفعالات الشديدة، وقد جربت الأدوية الكيميائية في علاج ذلك فكان لها أثر كبير بفضل الله وتوفيقه، فإذا رفض فأمامك الكتب المتعلقة بعلاقات الزوجين يمكنك إهداؤها له أو اكتبي أنت له رسالة تذكرين منها حاجتك إلى كلمة طيبة أو هدية معبرة.
وأما هؤلاء النسوة اللاتي ذكرت من إيذائهن لأزواجهن، وتطاولهن عليهم فلا ترتابي في أمرهن ولا تشكي قط أنهن على الخطأ المبين، وأنك على الصراط المستقيم، فابذلي لهن ما تستطيعين من الوعظ وذكريهن بحق الله وحق الزوج، فإن لم يجد ذلك معهن فاقطعي علاقتك بهن؛ لئلا تتأثري بأحوالهن، فإن الأخلاق ما أسرع ما تنتقل إلى الصاحب المعاشر.
والله أعلم.