الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن هذه الآية ورادة في نسخ الآيات القرآنية بالقرآن، وقد احتج الشافعي وأصحابه في قوله: لا تنسخ السنة الكتاب ولا ينسخ الكتاب إلا الكتاب بهذه الآية، وبقول الله تبارك وتعالى: ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها. وبقوله: قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي.
وأما النسخ في العهد المكي فلم يكن كثيرا، ولكنه حصل النسخ في بعض الآيات، فقد نسخت الآيات الأولى من سورة المزمل :(يا أيها المزمل * قم الليل إلا قليلاً * نصفه أو انقص منه قليلا * أو زد عليه...) نسختها الآية التي في آخر السورة : (إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه .. ).
ففي صحيح مسلم عن سعد بن هشام أنه سأل عائشة فقال: يا أم المؤمنين؛ أنبئيني عن قيام نبي الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: أليس تقرأ هذه السورة يا أيها المزمل؟ قلت: بلى، قالت: فإن الله عز وجل افترض قيام الليل في أول هذه السورة، فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولا، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهرا في السماء، حتى أنزل الله في آخر هذه السورة التخفيف، فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة. انتهى
وأما عن معنى الآية وسبب نزولها فقد قال الواحدي في أسباب النزول: قال المفسرون: إن المشركين قالوا: أترون إلى محمد يأمر أصحابه بأمر ثم ينهاهم عنه ويأمرهم بخلافه، ويقول اليوم قولا ويرجع عنه غدا، ما هذا في القرآن إلا كلام محمد يقوله من تلقاء نفسه، وهو كلام يناقض بعضه بعضا، فأنزل الله: وإذا بدلنا آية مكان آية...... الآية: وأنزل أيضا: ما ننسخ من آية أو ننسأها نأت بخير منها... الآية. انتهـى
وقال ابن الجوزي في تفسيره: قوله تعالى: وإذا بدلنا آية مكان آية سبب نزولها أن الله تعالى كان ينزل الآية فيعمل بها مدة ثم ينسخها، فقال كفار قريش: والله ما محمد إلا يسخر من أصحابه يأمرهم اليوم بأمر ويأتيهم غدا بما هو أهون عليهم منه، فنزلت هذه الآية. قاله أبو صالح عن ابن عباس. والمعنى إذا نسخنا آية بآية إما نسخ الحكم والتلاوة، أو نسخ الحكم مع بقاء التلاوة، والله أعلم بما ينزل من ناسخ ومنسوخ وتشديد وتخفيف فهو عليم بالمصلحة في ذلك، قالوا: إنما أنت مفتر أي كاذب بل أكثرهم لايعلمون فيه قولان أحدهما: لايعلمون أن الله أنزله. والثاني: لايعلمون فائدة النسخ. انتهى
والله أعلم.