الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن هذا الذي يحدث إنما هو من الثمرات النكدة لمخالفة أحكام الشريعة الغراء فيما أمرت به من ترك اختيار الزوج إلى المرأة وحدها، وأنه لا يجوز لأهل الفتاة أن يكرهوها على الزواج بمن لا ترغب فيه، طالما كانت بالغة عاقلة - على ما ذهب إليه جمهور العلماء - لما يترتب على ذلك من تأثير على استقرار الحياة الزوجية بينهما، وفي سنن ابن ماجه عن بريدة عن أبيه: أن فتاة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته، قال: فجعل الأمر إليها، فقالت: قد أجزت ما صنع أبي، ولكن أردت أن تعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء.
ولكن هذا لا يسوغ لأمك بأي حال أن تفعل هذا الذي تفعله مما فيه فساد الدين والدنيا والخزي والفضيحة في الأولى والآخرة.
وإذا كان أهلها قد خالفوا الشرع وأجبروها على الزواج بمن تريد، فقد جعل الشرع لها من ذلك مخرجا كريما وذلك بأن ترفع أمرها للقضاء ليرد هذا النكاح، فإن لم يتيسر ذلك لها فهناك طريق آخر وهو أن تختلع من زوجها، ولو أنها استفتت بعض أهل العلم في أمرها لأعلموها بذلك، ولكنها – هداها الله – استجابت لهوى النفس الأمارة بالسوء وركبت ما حرمه الله ونهى عنه.
وأما بخصوص ما ننصحك به في هذا الأمر فهو أن تواجهي أمك بما يحدث – ما دمت متيقنة من ذلك – وأن تكوني معها في غاية الصراحة ما دامت لم تنتفع بالتلميح والتعريض، وأن تذكريها بالله وأليم أخذه وعقابه وما ينتظرها وينتظركم جميعا من الفضيحة والعار، إذا كشف الله أستارها وعلم الناس بهذا الأمر.
ثم عليك أن تذكريها بحقوق زوجها عليها، وأنها بهذا الذي تصنعه تضيع كل حقوقه وتخون جميع عهوده ومواثيقه.
فإن استجابت لذلك فاحمدي الله أن منّ عليها بالتوبة والإنابة، واشكري له سبحانه أن جعل توبتها على يديك.
أما إن أصرت على ما هي عليه فعليك حينئذ - دون تردد ولا توان - أن تختاري من أرحامها من تتوسمين فيه الخير والحكمة كأبيها أو أحد إخوتها أو أعمامها وأن تصارحيهم بما يحدث وسيكونون – إن شاء الله – قادرين على ردعها وزجرها، ولا يجوز لك بحال أن تكتفي بالدعاء لها أو بالدعاء على هذا الرجل الذي ترتبط به، وإن كان الدعاء عليه مشروعا لا حرج فيه، لأنه بفعله هذا ظالم معتد، والظالم يجوز الدعاء عليه بضوابط سبق بيانها في الفتوى رقم: 28754.
أما ما تسألين عنه من أنها قد تكون معذورة بعض العذر فيما تصنعه، أو أن إثمها في ذلك دون إثم غيرها نظرا لأنها قد أكرهت على هذا الزواج، فهذا كله غير صحيح؛ لأن المعصية لا تجوز بحال اللهم إلا بعض المعاصي في حال الإكراه على فعلها، وغير خاف على أحد أن فعلها هذا ليس من الإكراه في شيء إذ إنها تفعل هذا بمحض إرادتها .
وأما ما يحيك في صدرك من كونكم برآء مما يحدث ومع ذلك فقد يصيبكم أذى من جراء فعل أمكم فنقول: ينبغي للمسلم دائما أن يرضى بقضاء الله، وأن يعلم أن أقدار الله كلها لا تخرج عن الحكمة والصواب، ولا يجوز للعبد أن يسأل لم فعل الله كذا، فقد قال تعالى: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {الأنبياء : 23}قال الطحاوي رحمه الله فمن سأل : لم فعل ؟ فقد رد حكم الكتاب ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين انتهى.
واعلمي أيتها السائلة إنك إن أنت سارعت إلى الامتثال لأوامر الله سبحانه وقمت بما أوجبه الشرع عليك من إنكار هذا المنكر، ورددت أمك عن معصيتها فستؤجرين على ذلك الأمر وتؤجر أمك إن تابت إلى الله تعالى، وهذه هي بركة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما قال رسول الله في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره: مثل القائم على حدود الله والمدهن فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة في البحر، فأصاب بعضهم أعلاها و أصاب بعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقال الذين في أعلاها : لا ندعكم تصعدون فتؤذونا فقالوا : لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا و لم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم و ما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا .
والله أعلم.