الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن عدم مسامحتك لقريبك الذي لك عليه حق مادي، لا يعد قطعاً للرحم، لأن الشرع أعطاك ذلك الحق، ولم يوجب عليك التنازل عنه لا في الدنيا ولا في الآخرة.
وننبه السائل أن الحديث الذي ذكره السائل في سؤاله هو(( بلوا أرحامكم)) وليس: بروا.
ومعنى بلوا أي ندوها بصلتها. وراجع الفتوى رقم: 8744.
لكن اعلم أنّ العفو عن المسيء قد رغبّ فيه الشرع ووعد عليه بالأجر الكبير والخير الكثير، قال تعالى : وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {النور:22} ، وقال تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله{الشورى:40}، ويتأكد ذلك إذا كان هذا مع الأقارب، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فَقَالَ لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ. رواه مسلم. تسفهم المل : تطعمهم الرماد الحار
واعلم أن في العفو خيراً لك، وأنه يزيدك عزاً وكرامة ، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : .. وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزا. كما أن العفو سبيل لنيل عفو الله ومغفرته ، قال تعالى : وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيم {النور:22}.
واعلم أنّ صلة الرحم من أسباب البركة في الرزق والعمر ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ. متفق عليه.
وللفائدة انظر الفتوى رقم: 18400، والفتوى رقم: 27841.
والله أعلم.