الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اختلف العلماء في حكم من ظهر حملها ولا زوج لها، فذهب الجمهور إلى أنها لا يجب عليها حد الزنا، قالوا: لجواز أن يكون من وطء شبهة أو إكراه، والحد يدرأ بالشبهة، واستدلوا على ذلك بما أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف وسعيد بن منصور في سننه والبيهقي في سننه: أن عمر رضي الله عنه أتي بامرأة ليس لها زوج قد حملت! فسألها عمر؟ فقالت: إني امرأة ثقيلة الرأس وقع علي رجل وأنا نائمة، فما استيقظت حتى فرغ، فدرأ عنها الحد.
ويدل لمذهب الجمهور أيضا تلقين علي رضي الله عنه للهمدانية عندما جيء بها إليه، فقال لها: لعل رجلاً وقع عليك وأنت نائمة، قالت: لا، قال: لعله استكرهك، قالت: لا. قال الإمام الزيلعي في نصب الراية: وحديث علي روي من وجوه.. أحدها عند أحمد و البيهقي فلو كانت هذه الأعذار غير مسقطة للحد لما لقنها علي.
وذهب المالكية في المشهور من مذهبهم إلى ثبوت حد الزنا بظهور الحمل من امرأة لا زوج لها، وأنها لا يقبل دعواها الغصب إلا بقرينة، ودليل هذا القول ما رواه البخاري ومسلم عن عمر رضي الله عنه قال: والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو الحبل أو الاعتراف. والحبل: هو الحمل، وقد قال ذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكر عليه.
أما سؤالك عمن يتحمل مسئولية ذلك من الوالدين؟ فنقول: لا يخرج الأمر عن هذه الأحوال الثلاثة:
الأول: أن يكون ما حدث نتيجة تقصير من الوالدين أو أحدهما في رعاية البنت وتربيتها، كأن تركا لها الحبل على الغارب، أو تركاها تأخذ بأسباب الفساد والفتنة من تبرج أو مصاحبة الرجال والخلوة بهم أو خروج وتغيب عن البيت لغير حاجة ودون مراقبة، وحينئذ فإن المفرط منهما يتحمل من أوزار هذا الفعل وإثمه، ويزيد الأب في ذلك على الأم لأنه رب الأسرة وراعيها وهو المسئول عنها أمام الله تعالى، وقال صلى الله عليه وسلم: ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم.... الحديث رواه البخاري ومسلم، ولقد حذر نبينا صلى الله عليه وسلم الراعي من تضييع رعيته، فقال: ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة. رواه البخاري ومسلم.
الثاني: أن يكون هذا بغير تفريط من الوالدين بل بذلا جميع أسباب التوقي والرعاية، ومع ذلك تفلتت منهما ابنتهما وغلبت عليها شقوتها حتى استزلها الشيطان للوقوع في الخطيئة، وحينئذ فلا إثم على الوالدين وتبوء البنت وحدها بإثم ما اكتسبت.
الثالث: أن يكون هذا بأسباب خارجة عن الجميع كإكراه تعرضت له البنت دون تفريط منها ولا من والديها وحينئذ فلا إثم على أحد منهم، ويبوء المعتدي وحده بهذا الإثم العظيم.
والله أعلم.