الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهذا الحديثُ لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما بين ذلك الحفاظ، وجهابذة النقاد، وإنما وقع في كلام بعض الفقهاء الذين لا عناية لهم بصناعة الحديث .
ومُرادُ من أورده من الفقهاء الاحتجاج به على أن أكثر مُدة الحيض خمسة عشر يوماً وليلة، وذلك لأن الشطر هو النصف، فإذا حاضت المرأة خمسة عشر يوماً وليلة، وبقيت بعد ذلك أقل الطهر بين الحيضتين وهو خمسة عشر يوما وليلة، كانت قد مكثت شطر عمرها لا تُصلي، فهذا معنى هذا الحديث، ومراد الفقهاء من إيراده، غير أنه لا يثبتُ عن النبي صلى الله عليه وسلم بوجه، ونحنُ نسوق كلام الحافظ في التلخيص، ليتبين به ما ذكرنا، قال رحمه الله: روي أنه صلى الله عليه وسلم قال : تمكث إحداكن شطر دهرها لا تصلي لا أصل له بهذا اللفظ . قال الحافظ أبو عبد الله بن منده فيما حكاه ابن دقيق العيد في الإلمام عنه: ذكر بعضهم هذا الحديث ولا يثبت بوجه من الوجوه. وقال البيقهي في المعرفة: هذا الحديث يذكره بعض فقهائنا وقد طلبته كثيرا فلم أجده في شيء من كتب الحديث، ولم أجد له إسنادا. وقال ابن الجوزي في التحقيق: هذا لفظ يذكره أصحابنا ولا أعرفه. وقال الشيخ أبو إسحاق في المهذب: لم أجده بهذا اللفظ إلا في كتب الفقهاء. وقال النووي في شرحه: باطل لا يعرف. وقال في الخلاصة: باطل لا أصل له. وقال: المنذري لم يوجد له إسناد بحال . وأغرب الفخر ابن تيمية في شرح الهداية لأبي الخطاب، فنقل عن القاضي أبي يعلى أنه قال: ذكر هذا الحديث عبد الرحمن بن أبي حاتم البستي في كتاب السنن له. كذا قال، وابن أبي حاتم ليس هو بستيا إنما هو رازي، وليس له كتاب يقال له: السنن.
(تنبيه ): في قريب من المعنى ما اتفقا عليه من حديث أبي سعيد قال أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم فذلك من نقصان دينها ورواه مسلم من حديث ابن عمر بلفظ تمكث الليالي ما تصلي وتفطر في شهر رمضان فهذا نقصان دينها ومن حديث أبي هريرة كذلك وفي المستدرك من حديث ابن مسعود نحوه ولفظه فإن إحداهن تقعد ما شاء الله من يوم وليلة لا تسجد لله قلت: وهذا وإن كان قريبا من معنى الأول، لكنه لا يعطي المراد من الأول، وهو ظاهر من التفريع، والله أعلم. وإنما أورد الفقهاء هذا محتجين به على أن أكثر الحيض خمسة عشر يوما، ولا دلالة في شيء من الأحاديث التي ذكرناها على ذلك. انتهى.
والله أعلم.