بلاد الكفر.. ومسألة غض البصر

21-5-2009 | إسلام ويب

السؤال:
أنا شخص انتقلت إلى أوروبا وملتزم قدر الإمكان والحمد لله -لا أزكي نفسي والعياذ بالله- عندي مشكلة وهي غض البصر، أنا أغض البصر والحمد لله منذ زمن وأعلم فوائده وأدلته و ... إلخ، فأرجوكم لا تكتبوا لي محاضرة عن فوائد غض البصر مثلما يحصل لي عادة عند طرحي لهذا السؤال التالي:
كيف يمكن للإنسان أن يوفق بين غض البصر والتعامل مع الناس، فغض البصر عن النساء في الشارع أو التلفاز ليست مشكلة على الإطلاق والحمد لله، المشكلة تبدأ عندما تضطر إلى التعامل مع النساء، وهنا في أوروبا للأسف حدث ولا حرج ما أكثر النساء في الوظائف العامة وفي الجامعات و ... إلخ.
في بداية قدومي لم أكن أنظر إلى النساء أثناء تكلمي معهن، وكان ذلك يسبب لي المشاكل وسوء الفهم وأخذ نظرة غريبة عن الإسلام، فسألت أهل العلم في المهجر، فتساهلوا معي وقالوا لا يمكن تطبيق غض البصر كما في البلاد الإسلامية، فأنا في حيرة من أمري!
سامحوني للإطالة ولكن أرجوكم لا تعطوني جوابا مثل: اتق الله قدر استطاعتك. أو عند الضرورة. لأن الضرورة والاستطاعة نسبية من شخص إلى شخص .
حتى أسهل عليكم علمائي الأفاضل :
1- هناك أقرباء أو أصدقاء لي في هذا البلاد قد يكون عندهم بنت غير محجبة، فهل إذا في يوم من الأيام دعوني لبيتهم -وهم لا يعرفون عن الإسلام شيئا- أرفض رفضاً باتا بسبب ابنتهم، أم أذهب-لنفرض مرة واحدة في السنة مع أمن الفتنة وعدم تحقق الخلوة- وأشرح لهم عن الدين الإسلامي وأدعوا إلى الله مع عدم غضي الكامل للبصر، وإنما أغضه غضاً ذكيا = غض بصر 80%.
2- عند إلقائي محاضرة في الجامعة مثلاً، أو دعوتي إلى الله في إحدى الندوات مثلاً التي لا تخلو من النساء. هل أغض البصر غضا كاملا، ومن التجربة فإن هذا يعيق إدارة الحديث ولا يعطي الطرف الآخر شعورا بالاهتمام وخاصة في هذه البلاد.
3- عندما تكون أستاذتي في الجامعة امرأة، فكيف لي أن أغض البصر ؟ قد لا أفهم -وهذه بسيطة يمكن تعويضها عن طريق الدراسة المكثفة في الكتب- ولكنها قد توتر العلاقة تجاهي -خاصة أني بفضل الله من المميزين والمعروفين- ويتم تفسير تصرفاتي بأنني لا أحترم الأستاذة بسبب تكبري، وإذا أخبرتهم عن السبب الرئيسي وهو غض البصر تبدأ أصابع الاتهام توجه إليك بالتشدد وتكون محل شبهة كإرهابي والعياذ بالله.
4- هل يمكن النظر للنساء اللواتي بلغن فوق سن الأربعين من دون شهوة في حالة الحديث الضروري معهن - مثل الحالات المذكورة أعلاه- وكذلك الحال بالنسبة لنساء فوق الثلاثين اللواتي لا يجلبن الشهوة في الحالات المذكورة أعلاه.
آسف للإطالة ولكن صدقوني الموضوع ضروري ومهم فأرجوكم إجابتي إجابة مفصلة جدا لا تحتوي على التعميمات التي أقيس عليها، وحتى لا نعيد المنوال مثل دائما ...؟
أنا إنسان متشدد في غض البصر فبإذن الله لن أترك غض البصر الذي هو مصدر العزة، يعني لا تخافوا من إعطاء الأحكام المخففة قليلاً التي أعلم متى أستخدمها، حيث قد يكون هناك من يريد التشديد علي حتى لا أقع في الفتنة، فقبل الإجابة أطمئنكم والثقة بالله فقط وحده لا شريك له.

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

 فما دمت تعلم أدلة غض البصر فلن نفيض في ذكرها، ولكننا سنجمل نصيحتنا لك في أمور:

1- لا تجوز الهجرة من بلاد المسلمين إلى بلاد غير المسلمين لمن لا يستطيع أن يقيم شعائر الدين، ولا يأمن على نفسه الوقوع في الفتنة، وقد بينا هذا في الفتوى رقم: 2007 .

2- الأماكن التي تعلم أنك لن تستطيع أن تغض بصرك فيها يجب عليك عدم الذهاب إليها إلا إذا دعت إلى ذلك حاجة معتبرة شرعا.

 قال النووي في شرح صحيح مسلموَيَجِب عَلَى الرِّجَال غَضّ الْبَصَر عَنْهَا فِي جَمِيع الْأَحْوَال إِلَّا لِغَرَضٍ صَحِيح شَرْعِيّ, وَهُوَ حَالَة الشَّهَادَة ، وَالْمُدَاوَاة, وَإِرَادَة خِطْبَتهَا، أَوْ الْمُعَامَلَة بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاء, وَغَيْرهمَا, وَنَحْو ذَلِكَ, وَإِنَّمَا يُبَاح فِي جَمِيع هَذَا قَدْر الْحَاجَة دُون مَا زَادَ . وَاللَّه أَعْلَم . اهـ

3- على المسلم الاعتزار بدينه والالتزام به، ونظرة غير المسلمين لك إذا تمسكت بدينك وما قد يقولونه عنك كل هذا لا يسوغ الوقوع في الحرام أو التساهل في أوامر الله، فأنت مطالب بتطويع حياتك لأحكام الإسلام لا تطويع أحكام الإسلام وفقا للواقع أو لنظرة غير المسلمين لك.

4- إذا كانت الدراسة لابد منها ولا توجد أماكن غير مختلطة فلا مانع من الذهاب إلى هذه الأماكن دارسا أو محاضرا، ولكن غض بصرك ما أمكن ذلك، ونظر الفجأة معفو عنه، أما غير المعفو عنه فهو إدامة النظر وتعمد ذلك، فعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي. رواه مسلم.

 قال النووي في شرح الحديث: قَوْله: الْفُجَاءَة. هِيَ الْبَغْتَة. وَمَعْنَى نَظَر الْفَجْأَة أَنْ يَقَع بَصَره عَلَى الْأَجْنَبِيَّة مِنْ غَيْر قَصْد فَلَا إِثْم عَلَيْهِ فِي أَوَّل ذَلِكَ, وَيَجِب عَلَيْهِ أَنْ يَصْرِف بَصَره فِي الْحَال, فَإِنْ صَرَفَ فِي الْحَال فَلَا إِثْم عَلَيْهِ, وَإِنْ اِسْتَدَامَ النَّظَر أَثِمَ لِهَذَا الْحَدِيث, فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ بِأَنْ يَصْرِف بَصَره مَعَ قَوْله تَعَالَى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ. اهـ.

5- عندما تكون أستاذتك معلمة فيجب عليك أيضا غض بصرك قدر الإمكان.

 6- لا يتحدد جواز نظرك للمرأة أو عدم جوازه بسن معين كالأربعين -كما ذكرت- أو غير ذلك، بل ما دامت المرأة أجنبية عنك فيجب عليك غض بصرك إلا في الحالات المستثناة التي سبقت في كلام النووي رحمه الله، وكذلك العجوز الفانية ونحوها مما تؤمن فتنته، وتراجع الفتوى رقم: 5776 ، والفتوى رقم: 6563 .

وأخيرا نوصيك بتقوى الله والحرص على دينك، فإن لم تستطع ذلك في البلاد أنت فيها فابحث لك عن مكان تستطيع أن تقيم فيه دينك وتأمن الفتنة، والله يغنيك من فضله، وراجع الفتوى رقم: 5658 .

 والله أعلم.

www.islamweb.net