الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فروى الترمذي وابن ماجه وأحمد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين ما خلا النبيين والمرسلين، لا تخبرهما يا علي. صححه الألباني.
وللعلماء في معنى الحديث أقوال:
الأول: أن ذلك باعتبار ما كانوا عليه في الدنيا حال هذا الحديث، كقوله تعالى: وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ. {النساء:2}. أي: باعتبار ما كانوا عليه قبل البلوغ، وإلا فإنه لا يتم بعد احتلام.
الثاني: أن المعنى أنهما سيدا من مات كهلاً من المسلمين فدخل الجنة.
الثالث: أن المراد بالكهل ههنا: الحليم العاقل، أي: يدخلهما الله الجنة حلماء عقلاء. جاء في تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي: الكهول بضمتين جمع الكهل وهو على ما في القاموس من جاوز الثلاثين أو أربعا وثلاثين إلى إحدى وخمسين، فاعتبر ما كانوا عليه في الدنيا حال هذا الحديث وإلا لم يكن في الجنة كهل، كقوله تعالى: وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ. وقيل: سيدا من مات كهلا من المسلمين فدخل الجنة لأنه ليس فيها كهل بل من يدخلها ابن ثلاث وثلاثين، وإذا كانا سيدي الكهول فمن أولى أن يكونا سيدي شباب أهلها... وقيل: أراد بالكهل ههنا الحليم العاقل، أي أن الله يدخل أهل الجنة حلماء عقلاء. انتهى.
وقال المناوي في فيض القدير: عنى الكهول عند الموت، لأنه ليس في الجنة كهل، إذ هو من ناهز الأربعين وخطه الشيب. وأهل الجنة في سن ثلاث وثلاثين، فاعتبر ما كان عليه عند فراق الدنيا ودخول الآخرة. كذا قرره القرطبي وغيره وهو غير قويم، إذ لو اعتبر ما كانا عليه عند الموت لما قال كهول بل شيوخ، لأنهما ماتا شيخين لا كهلين، فالأولى ما صار إليه بعضهم من أن المراد بالكهل هنا الحليم الرئيس العاقل المعتمد عليه. يقال: فلان كهل بني فلان وكاهلهم، أي: عمدتهم في المهمات، وسيدهم في الملمات. على أن ما صار إليه أولئك من أن الكهل ما ناهز الأربعين غير متفق عليه، ففي النهاية: الكهل من زاد عن ثلاثين إلى أربعين، وقيل: من ثلاث وثلاثين إلى خمسين. وفي الصحاح: من جاوز الثلاثين وخطه الشيب. نعم ذكر الحراني أن الكهولة من نيف وأربعين إلى نيف وستين، وعليه يصح اعتبار ما كان عليه قبل الموت. انتهى.
والله أعلم.