الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقول القائل عن أحد:حسيبه الله. معناه: تفويض الأمر إلى الله في الحكم عليه وفي حسابه بما يستحقه، ويفهم المقصود من العبارة حسب السياق الذي قيلت فيه، فإذا قيلت على من فعل مضايقة لأحد أو قال منكراً أو ظلم فهذا يتضمن معنى الدعاء بأن يجازيه الله بما يستحقه، قال أبو جعفر النحاس في كتاب إعراب القرآن:
قول الناس حسيبه الله أي العالم بخبره والذي يجازيه الله جل وعز، وقيل: معنى قولك حسيبك الله كافي إياك الله من قولهم: أحسبه الشيء إذا كفاه، وقيل: حسيبك أي محاسبك، وقيل: حسيبك أي مقتدر عليك ومنه: إن الله كان على كل شيء حسيبا. انتهى.
وتستعمل هذه العبارة في تفويض أمر العاصي إلى الله وإن تاب وعدم الحكم عليه بشيء، ومما يدل على هذا المعنى رواية في قصة رجم ماعز وفيها: ذهبوا يسبونه فنهاهم، قال ذهبوا يستغفرون له فنهاهم، قال: هو رجل أصاب ذنباً حسيبه الله. رواه أبو داود وصححه الألباني.
وقد تستعمل هذه العبارة عند مدح أحد فيقولها المادح حذراً من أن يكون باطن الممدوح على خلاف ظاهره، ويكون قد جزم بما لا يعلم فيأتي بها لتفويض أمر من أمامه لله أثناء مدحه ولا تتضمن معنى الدعاء عليه، كما في حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال: مدح رجل رجلاً عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ويحك قطعت عنق صاحبك، قطعت عنق صاحبك مراراً. إذا كان أحدكم مادحاً صاحبه لا محالة فليقل: أحسب فلاناً والله حسيبه ولا أزكي على الله أحداً، أحسبه إن كان يعلم ذاك كذا وكذا. رواه البخاري ومسلم. وهذا لفظ مسلم
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري:
(والله حسيبه) أي كافيه، ويحتمل أن يكون هنا فعيل من الحساب أي محاسبة على عمله الذي يعلم حقيقته، وهي جملة اعتراضية، وقال الطيبي: هي من تتمة المقول، والجملة الشرطية حال من فاعل فليقل، والمعنى فليقل أحسب أن فلاناً كذا إن كان يحسب ذلك منه، والله يعلم سره لأنه هو الذي يجازيه، ولا يقل أتيقن ولا أتحقق جازماً بذلك. انتهى.
وفي مثل حال السائلة فالسياق يدل على أنها دعاء على من ضايقها، ويجوز لها أن تقول ذلك ولا تكون ظالمة لأحد، وإن عفت وصبرت فهو خير لها، كما قال تعالى: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ. {الشورى:40}. وكما في قوله تعالى: وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ. {الشورى:43}.
والله أعلم.