الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ بالله في كل ركعة، والحديث الوارد في شأن استعاذته صلى الله عليه وسلم في الصلاة رواه أحمد والترمذي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: كان إذا قام إلى الصلاة استفتح ثم يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه. وهو ظاهرٌ في أن هذه الاستعاذة في الركعة الأولى من الصلاة، ولم يرد نصٌ صريحٌ يُفيدُ أنه صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ فيما بعدها من الركعات، ومن ها هنا اختلف العلماء القائلون بمشروعية الاستعاذة في الصلاة، وقد فصلنا مذاهبهم في الفتوى رقم: 55599.
ورجح كثيرٌ من العلماء أن الاستعاذة في الصلاة تختصُ بالركعة الأولى، قال ابن القيم في زاد المعاد: وكان إذا نهض افتتح القراءة، ولم يسكت كما كان يسكت عند افتتاح الصلاة، فاختلف الفقهاء: هل هذا موضع استعاذة أم لا؟ بعد اتفاقهم على أنه ليس موضع استفتاح. وفي ذلك قولان هما روايتان عن أحمد، وقد بناهما بعض أصحابه على أن قراءة الصلاة هل هي قراءة واحدة فيكفي فيها استعاذة واحدة، أو قراءة كل ركعة مستقلة برأسها؟ ولا نزاع بينهم أن الاستفتاح لمجموع الصلاة، والاكتفاء باستعاذة واحدة أظهر، للحديث الصحيح عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا نهض من الركعة الثانية استفتح القراءة ب:الحمد لله رب العالمين. ولم يسكت وإنما يكفي استعاذة واحدة، لأنه لم يتخلل القراءتين سكوت، بل تخللهما ذكر، فهي كالقراءة الواحدة إذا تخللها حمد الله، أو تسبيح، أو تهليل، أو صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك. انتهى.
وقال الشوكاني: الأحاديث الواردة في التعوذ ليس فيها إلا أنه فعل ذلك في الركعة الأولى، فالأحوط: الاقتصار على ما وردت به السنة، وهو الاستعاذة قبل قراءة الركعة الأولى فقط. انتهى بتصرف.
وقال الشيخ العثيمين رحمه الله:
الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم في الصلاة سنة. واختلف العلماء -رحمهم الله- هل يستعيذ في كل ركعة، أم في الركعة الأولى فقط، بناء على القراءة في الصلاة: هل هي قراءة واحدة، أم لكل ركعة قراءة منفردة؟ والذي يظهر لي: أن قراءة الصلاة واحدة، فتكون الاستعاذة في أول ركعة، إلا إذا حدث ما يوجب الاستعاذة، كما لو انفتح عليه باب الوساوس، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الإنسان إذا انفتح عليه باب الوساوس أن يتفل عن يساره ثلاثاً، ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم. انتهى.
والله أعلم.