الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالمبلغ الذي أقرضك إياه يلزمك رده إليه إذ هو دين في ذمتك إلا أن يبرئك منه برضاه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحل مال رجل مسلم لأخيه إلا ما أعطاه بطيب نفسه. أخرجه البيهقي في السنن.
وأما قوله (ليس هنالك ما ترثه) فذلك حديث قبل أوانه؛ لأن التركة والإرث إنما يكونان بعد موت المورث لا في حياته، فإن مات وترك مالا فهو يقسم على جميع ورثته كل حسب نصيبه المقدر له شرعا .
كما أنه يجب على الأب في حياته أن يعدل بين أبنائه في العطية، ولا يجوز له تفضيل بعضهم في عطية أو هبة، إلا أن يكون لذلك مسوغ شرعي معتبر، كحاجة المفضل إلى العطية دون غيره من إخوته كسفره أو طلبه للعلم أو زواجه ونحو ذلك مما يسوغ تخصيصه ببعض المال دون غيره في قول بعض أهل العلم . لأن تفضيل الأبناء بعضهم على بعض من غير مسوغ من حاجة أو عوز هو نوع من الظلم.
لما ثبت في الصحيحين واللفظ لمسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبشير بن سعد لما نحل ابنه النعمان نحلاً وأتى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهده على ذلك فقال له: "يا بشير ألك ولد سوى هذا؟ قال: نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكلهم وهبت له مثل هذا؟ قال: لا. قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلا تشهدني إذا ، فإنى لا أشهد على جور، وفي رواية لهما قال له أيضا: "فأرجعه". وفي رواية لمسلم : "اتقوا الله واعدلوا في أولادكم فرد أبي تلك الصدقة". وفي رواية عند أحمد : إن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم .
وإن خص الأب بعض أبنائه بعطية أو فاضل بينهم بدون مسوغ شرعي، أثم ووجب عليه مع التوبة أن يرد ما فضل به البعض أو يعطي الآخر ما يتمم نصيبه، فإن لم يفعل ذلك فعلى من فضل أن يرد ما زاد عن نصيبه إلى إخوانه ليكونوا سواء في العطية وليردوا ظلم أبيهم.
قال شيخ الإسلام: ولايحل للذي فضل أن ياخذ الفضل، بل عليه أن يقاسم إخوته في جميع المال بالعدل الذي أمر الله به. اهـ وقال فيمن خص أحد بنيه بهبة وأقبضه إياها: وإن أقبضه إياه لم يجز على الصحيح أن يختص به الموهوب له بل يكون مشتركا بينه وبين أخويه.
وبناء عليه، فإن رأيتم ظلما من أبيكم وميلا إلى أبنائه من زوجته الثانية، فينبغي لكم نصحه وبيان الصواب له، لعله يفيء إليه ويرجع إلى الحق، ولو وسطتم بعض من له وجاهة عنده وشفاعة إليه في ذلك فهو أولى.
والله أعلم.