الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا نعلم دليلا خاصا يقضي بأن الملائكة لا تدخل بيتا يُسمع فيه الغناء، كالنص الذي جاء في عدم دخولها بيتا فيه تصاوير مثلا. وإن كان ذلك مناسبا من حيث المعنى، فإن الملائكة تجتمع للذكر والقرآن، والشياطين تجتمع للمنكرات قال أبو هريرة: إن البيت ليتسع على أهله وتحضره الملائكة وتهجره الشياطين ويكثر خيره أن يقرأ فيه القرآن، وإن البيت ليضيق على أهله وتهجره الملائكة وتحضره الشياطين ويقل خيره أن لا يقرأ فيه القرآن. رواه الدارمي.
قال الشيخ الفوزان في رسالة الإيمان بالملائكة وأثره في حياة الأمة تحت عنوان: الأماكن التي تردها الشياطين قال: الذين يشتغلون باللهو من الأغاني والمزامير فهؤلاء تحف بهم الشياطين، وتجتمع عليهم وتبتعد عنهم الملائكة. اهـ.
ويحتمل أن يستدل لذلك بقياس الأولى، فتقاس آلات اللهو على الجلجل والجرس في نفور الملائكة منها، فإن الملائكة لا تدخل بيتا فيه جرس، فعن بنانة مولاة عبد الرحمن بن حسان الأنصاري أنها كانت عند عائشة فبينما هي عندها إذ دخل عليها بجارية وعليها جلاجل يصوتن، فقالت: لا تدخلنها علي إلا أن تقطعوا جلاجلها. وقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تدخل الملائكة بيتا فيه جرس. رواه أبو داود والنسائي، وحسنه الألباني. وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: لا تدخل الملائكة بيتا فيه جلجل ولا جرس، ولا تصحب الملائكة رفقة فيها جرس. رواه النسائي وأحمد، وحسنه الألباني.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الجرس مزامير الشيطان. رواه مسلم. ورواه أبو داود بلفظ: الجرس مزمار الشيطان.
ففي هذا بيان لعلة نفور الملائكة من الجرس، ولذلك بوب عليه ابن خزيمة في صحيحه: باب ذكر الدليل على أن الملائكة لا تصحب رفقة فيها جرس؛ إذ الجرس مزمار الشيطان. اهـ.
وبوب عليه ابن حبان في صحيحه: ذكر العلة التي من أجلها لا تصحب الملائكة الرفقة التي فيها الجرس. اهـ. وقال ابن حجر في شرح تشبيه النبي صلى الله عليه وسلم لبعض صور الوحي بصلصلة الجرس، قال: الصوت له جهتان: جهة قوة، وجهة طنين، فمن حيث القوة وقع التشبيه به، ومن حيث الطرب وقع التنفير عنه، وعلل بكونه مزمار الشيطان اهـ.
ومن المعروف أن الغناء أيضا من مزمار الشيطان، كما في قول أبي بكر لما سمع قينتين تغنيان بما تقاذفت الأنصار يوم بعاث: مزمار الشيطان. متفق عليه.
والمقصود أن حكم السائلة بأن الملائكة لا تدخل بيتا فيه غناء، له حظ كبير من النظر، ومع ذلك فإن وجود الغناء في حجرة من شقة لا يمنع الخير عن غيرها من الحجر ـ إن شاء الله ـ ما دامت منزهة عن هذا الباطل، بل يقرأ فيها كتاب الله تعالى ويحفظ، كما ذكرت السائلة، فمثل هذه الغرفة جديرة بدخول الملائكة لا الشيطان، كما سبق في كلام أبي هريرة رضي الله عنه. وكل امرئ بما كسب رهين، قال تعالى: وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى {الأنعام: 164} وقال: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى {فاطر: 18}.
فهنيئا للأخت السائلة أن وفقها الله لطاعته، وعصمها من هذا اللهو الباطل الذي وقع فيه من حولها، فعليك أختي الكريمة أن تشكري الله على هذه النعمة العظيمة، بزيادة الاستقامة، ودعوة أهلك للخير وسبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة والصبر على ذلك، وراجعي لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 44035.
والله أعلم.