الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فأما الحالات التي تكونين فيها أنت ورجل واحد منفردين فهذه حرام لا خلاف في حرمتها , لقوله صلى الله عليه وسلم: لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم. متفق عليه. ولقوله صلى الله عليه وسلم أيضا: ما خلا رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان. رواه الترمذي وأحمد.
قال أبو العباس القرطبي في كتابه المفهم: وبالجملة فالخلوة بالأجنبية حرام بالاتفاق في كل الأوقات وعلى كل الحالات. انتهى. وقد بينا حكم الخلوة في السيارة في الفتوى رقم: 50082 .
فإذا انضم إلى ذلك السير بالسيارة مسافة يصدق عليها عرفا اسم السفر فهنا ينضاف محظور آخر, ومعلوم أن سفر المرأة دون محرم لها حرام, كما بيناه في الفتوى رقم: 120008.
فعليك بالتوبة إلى الله سبحانه من هذا كله، ثم احذري من العود إليه مرة أخرى لأنه ذريعة للشر والفساد.
يبقى بعد ذلك النظر في الحال التي تكونين فيها مع عدد من الرجال -اثنين فما فوق- داخل محيط البلد أعني دون سفر, فإن كان هناك تجاوز للآداب الشرعية من ترك الحجاب الشرعي، أو وجود خضوع بالقول، أو كلام فيما لا حاجة منه, فهو أيضا حرام, لأن هذا من الاختلاط المحرم, وقد بينا حكم العمل المختلط وضوابطه في الفتوى رقم: 31199.
أما إن كان هذا مع التزام الضوابط الشرعية وعدم الخروج عنها، ووجدت حاجة معتبرة للعمل في هذا المكان المختلط، وكان هذا إنما يجري في بعض الأحوال والأوقات دون بعض، فالذي نراه راجحا – والعلم عند الله سبحانه – أنه يجوز لك الاجتماع معهم– عند الحاجة - بشرط أن يكونوا جماعة يبعد تواطؤهم على الفاحشة، وأن يكونوا من أصحاب الدين والأمانة الذين يبعد تواطؤهم على الشر, أما إذا كانوا معلنين بالفسق والتهتك فلا يجوز لك الاجتماع معهم, وإنما اخترنا هذا لما جاء في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على المنبر فقال: لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان.
وإنما عدلنا عن ظاهر الحديث في الاكتفاء برجلين فقط نظرا لفساد الزمان وغلبة الشر, وقد ذهب بعض العلماء إلى عدم الاكتفاء بالثلاثة أيضا في ظل فساد الزمان.
قال الحافظ أبو العباس القرطبي في شرحه لهذا الحديث: لا يدخلن رجل على مغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان. سدا لذريعة الخلوة ودفعا لما يؤدي إلى التهمة، وإنما اقتصر على ذكر الرجل والرجلين لصلاحية أولئك القوم, لأن التهمة كانت ترتفع بذلك القدر, فأما اليوم فلا يكتفى بذلك القدر, بل بالجماعة الكثيرة لعموم المفاسد , وخبث المقاصد, ورحم الله مالكا لقد بالغ في هذا الباب حتى منع خلوة المرأة بابن زوجها والسفر معه وإن كانت محرمة عليه، لأنه ليس كل أحد يمتنع بالمانع الشرعي إذا لم يقارنه مانع عادي .انتهى.
وذهب الإمام النووي إلى أبعد من هذا حيث ذكر أن هذا الحديث مؤول, وفي ذلك يقول في شرحه على صحيح مسلم: ثم إن ظاهر هذا الحديث جواز خلوة الرجلين أو الثلاثة بالأجنبية، والمشهور عند أصحابنا تحريمه، فيتأول الحديث على جماعة يبعد وقوع المواطأة منهم على الفاحشة لصلاحهم أو مروءتهم أو غير ذلك، وقد أشار القاضي إلى نحو هذا التأويل. انتهى.
أما إذا كان اجتماعك بهم على سبيل الدوام وكنت في غالب وقت العمل تكونين وحيدة بين هؤلاء الرجال -وهذا هو الظاهر من سؤالك- فهذه الصورة ممنوعة قطعا ولا يجوز لك المداومة عليها بحال لأنها ذريعة قوية لحصول الفتنة
والله أعلم.