الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالحمد لله الذي هداك للحق والاستقامة، ونسأل الله لنا ولك الثبات والهداية، ثم اعلم أن ما تفعله من طاعة الله تعالى ليس فيه عقوق لوالديك لأنه لا طاعة لأحد في مخالفة أمر الله تعالى ومعصيته، وانظر الفتوى رقم: 59769، فإطلاق اللحية من الواجبات كما بيّنا ذلك في الفتوى رقم: 120618.
فلا طاعة لأحد يأمر بحلقها، وكذلك صلاة الجماعة واجبة على الأعيان على الراجح فلا طاعة لأحد يأمر بتركها، وانظر الفتوى رقم: 1798.
فلا تترك ذلك، ولا تترك الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كذلك، إلا إذا كان في نهي والديك لك عن ذلك غرض صحيح، كأن يكونا خائفين عليك من الإيذاء المتوقع، ولم يكن قد تعين عليك القيام بذلك النصح بأن قام به غيرك، وكنا قد بينا خطورة ترك الصلاة والصيام، وبيان مساوئ تقليد الغرب والتشبه بالكفار حسب الإمكان بما لا تترتب عليه مفسدة، فإن الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو مناط الخيرية في هذه الأمة.
قال تعالى: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ. {عمران:110 }.
ولكن ليس معنى ما نأمرك به من طاعة الله تعالى وعدم طاعة والديك في معصيته تعالى أن تسيئ إليهما أو تغلظ لهما، في القول بل الواجب عليك أن تتقي الله فيهما وتحسن صحبتهما، وتحرص على برهما ما أمكنك، فإن برهما من أسباب السعادة ونيل رضا الله تعالى، وحسبك أن الله تعالى أمر بالإحسان إلى الوالدين المشركين وإن كانا يجاهدان ولدهما على الشرك. فقال تعالى: وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا.{لقمان :15}.
فعليك بالاجتهاد في تحقيق الموازنة بين طاعة ربك ومرضاته وبين إرضاء والديك وعدم إغضابهما، واجتهد في إقناعهما بصواب ما تفعله، وبين لهما أن طاعة الله لا تحتمل التأجيل ، وكيف تؤجل وهي المقصد الأساس الذي لأجله وُجد الخلق. وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ. {الذاريات:56}.
ثم إن الموت يأتي بغتة، والنفسُ قد يخرج ولا يعود، وتطرف العين ولا تطرف الأخرى إلا بين يدي الله عز وجل.
وأما إذا نهاك والداك عن فعل مستحب كقراءة القرآم مثلاً، فقد سبق لنا أن أشبعنا القول في حكم هذه المسألة في الفتوى رقم: 121991.
والله أعلم.