الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهذه المسألة داخلة فيما يعرف عند المتقدمين ببذل الجاه ويمكن تعريفه بأنه بذل شخص جاهه أو نفوذه أو صلاحيته في حصول آخر على ما هو من حقه لولا عروض بعض العوارض دونه، وقد تقدم حكم أخذ العوض على ذلك في الفتوى رقم: 75549، والفتوى رقم: 6632، وعلى القول بجواز أخذ عوض عنه، فلا بد أن يكون معلوما محددا لا نسبة مجهولة، وينبغي أن لا تكون ثابتة عند كل دفعة أو مستخلص كذلك؛ لأنها حينئذ تكون محرمة لما يلي:
الأول: جهالة الأجر ولا بد أن يكون معلوما. قال الدسوقي مبينا شرط جواز أخذ أجرة على ذلك: وأن يدخل معهم على أجرة معلومة. اهـ وإذا جهلت الأجرة فليس لصاحب الجاه هنا إلا أجرة مثله.
الثاني: أن هذه النسبة الثابتة لا تتناسب بحال من الأحوال مع ما بذله الوسيط من جهد، ففيها إجحاف واستغلال لوضعية المستفيد وحاجته إلى جهة يتعاقد معها أو يعمل لديها، والله جل وعلا يقول: وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ {البقرة:188} .
وبناء عليه، فإن كان الاتفاق بينكم وبين ذلك الوسيط هو دفع تلك النسبة من كل عقد تجرونه في المستقبل فهو باطل، وبطلان اتفاقكم مع الوسيط المذكور لا يؤثر على تعاقدكم مع الجهة التي بدأتم في العمل معها، ولا حرج عليكم في إتمامه. وأما إذا كان الاتفاق هو على نسبة محددة تدفع له على أقساط فلا حرج إن جاز له أخذ عوض عن جاهه.
والله أعلم.