الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمهما كان من حال الأمّ وإساءتها إلى أولادها فإن ذلك لا يبيح قطيعتها، أو الإساءة إليها، فإن الله قد أمر بالمصاحبة بالمعروف للوالدين المشركين اللذين يأمران ولدهما بالشرك، قال تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. {لقمان:14}.
فالواجب عليك التوبة بكل حال، والتوبة تكون بالإقلاع عن الذنب، والندم على فعله، والعزم على عدم العود لمثله، وإذا كان الأمر يتعلق بحقوق مالية فلا بد من ردّ الحقّ لها، وإن كنت قد أسأت إليها بالكلام ونحوه فعليك بالاعتذار لأمّك وطلب العفو منها، والاجتهاد في برّها والإحسان إليها.
واعلمي أنّ التوبة النصوح مقبولة بإذن الله وهي بفضل الله تمحو ما قبلها، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ. رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني.
بل إنّ الله تعالى يحبّ التوابين ويفرح بتوبتهم ويبدل سيئاتهم حسنات.
واعلمي أنّ الإنسان إذا كان حريصاً على برّ والديه مجتهداً في طلب مرضاتهما ابتغاء وجه الله، ثم بدر منه شيء تجاهما على سبيل الفلته والزلة فإنّ ذلك مظنّة العفو من الله، قال تعالى: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا. {الإسراء:25}.
قال القرطبي: وقال ابن جبير: يريد البادرة التي تبدر كالفلتة والزلة تكون من الرجل إلى أبويه أو أحدهما لا يريد بذلك بأسا، قال الله تعالى:إن تكونوا صالحين. أي صادقين في نية البر بالوالدين فإن الله يغفر البادرة، وقوله : فإنه كان للأوابين غفورا. وعد بالغفران مع شرط الصلاح والأوبة بعد الأوبة. الجامع لأحكام القرآن.
والله أعلم.